أن تكون مواطنا
المواطنة ليست مفهوما طوباويا، أو حلما رومانسيا، بل هي مجموعة من الحقوق والواجبات تنشأ من اكتساب الفرد جنسية بلد ما وفقا لضوابط قانونية محددة.
المواطنة عبارة عن مجموعة من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المكتسبة طبيعيا أو بسبب المواطنة.
الحقوق المدنية وتتمثل في حق المواطن في الحياة والسلامة الشخصية، والاعتراف بحريته طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين، وحقه في الملكية الخاصة، وحقه في حرية التنقل، وحقه في المساواة أمام القانون مع بقية المواطنين، وحقه في أن يعترف له بالشخصية القانونية وعدم التدخل في خصوصيته، وحقه في حرية الفكر، والوجدان والدين واعتناق الآراء وحرية التعبير وفق النظام والقانون.
والحقوق السياسية المتمثلة في حقه في المشاركة السياسية وتقلد الوظائف العامة وغيرها.
والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي منها حقه كمواطن في العمل في ظروف منصفة وبأجر عادل وحقه في التمتع بالحد الأدنى من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية والحق في الرعاية الصحية والحق في الغذاء الكافي والحق في التأمين الاجتماعي والحق في المسكن والحق في المساعدة والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة والحق في خدمات كافية وحقه في التعليم والثقافة.
إن أهم عناصر المواطنة هو المساواة بين جميع المواطنين في هذه الحقوق دون أدنى تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الطائفة أو القبيلة أو المذهب أو أية اعتبارات أخرى.
والمواطنة كما هي حقوق فهي واجبات أيضا، تتمثل في الالتزام بالأنظمة والقوانين والمشاركة الفعالة في تنمية الوطن والقيام بالدفاع عنه إن لزم ذلك.
هذا ما تقره جميع المواثيق والأعراف والاتفاقيات ذات العلاقة، الدولية منها والإقليمية وغيرها.
المواطنة إذن هي أشياء ملموسة لا تتعالى على الواقع ولا تنكره، بل تنطلق منه لترسم خريطة مستقبل الوطن. المواطنة لا تقوم على تجاهل أو إنكار التعددية، بل تتعامل مع الهويات المتعددة داخل الوطن الواحد من خلال صيغة المساواة في الحقوق والواجبات التي تحقق التعايش والتلاحم بين مكونات الوطن الواحد، وتخلق جوا من التنافس الإيجابي يثري الوطن بالأفكار والإنجازات.
إن أعظم ما يمكن أن تبتلى به المواطنة هي حالة التمييز المبنية على أسس عنصرية أو فئوية أو غيرها، ومن هنا فإنه ومن أجل عيون الوطن يجب علينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي أمام بعض الممارسات التي تفرق بين مواطن وآخر، وبين هوية وطنية وأخرى، فالوطن للجميع، عيش مشترك ومصير مشترك.
وأعتقد أن واحدا من أهم واجبات المواطنة في هذا الصدد هو العمل على تكوين قاعدة بيانات ترصد تلك الممارسات وتعمل على متابعتها لرفعها ومنع تكرارها من خلال كافة الوسائل المتاحة.
إن القوانين والتشريعات هامة جدا لمنع الانتهاكات، ولكنها - وكما يقول الواقع - ليست كافية لوحدها، بل لا بد من تهيئة الأرض المناسبة لتصبح تلك التشريعات مندكة في الوعي العام وجزءا من الفعل الاجتماعي الذي تستهجن مخالفته.
بإمكان كل شخص أن يساهم في هذا المجال من خلال زيادة اهتمامه بالشأن العام، والتخلص من حالتي اللامبالاة والمساهمة السلبية.
بإمكان كل شخص أن يكون مواطنا من خلال الفعل الذي لا يقبل أي شكل من أشكال التمييز ويحتج عليه.
إضاءة أخيرة:
يقول أبو العتاهية: أليس إذا هانت على المرء نفسه ولم يرعها كانت على الناس أهونا