المتمترسون خلف الآخرين !!
إنّ المحور الأساس الذي يشكِّل ذات الإنسان هو نظرته إلى ذاته وليس نظرة الآخرين إليه، ولن تؤثر نظرة الآخرين إليه في حال قبوله نظرته إلى ذاته من غير زيف أو إسفاف، لأنه إذا قبل نظرة الناس إليه تقديراً أو تحقيراً فقد سلّم نفسه لهم على طبقٍ من ذهب، ومكنّهم من إدارته عن بُعد، والضغط على أزراره الساخنة متى شاءوا، وإنه بات يتشكّل كما يريدون ويسعى إلى أن يُحقِّق لهم الصورة التي يرسمونها له كما يشتهون، وسيفشل حتماً في سد فجوة التوقعات بين ما يرونه عليه، وبين ما يراهُ هو عن ذاته مهما حاول لذلك سبيلا، لأن رضا الناس غايةّ لا تُدرك.
وبغض النظر عمّا يملك الإنسان من إمكانيات أو إن كان لا يملك منها شيئاً فإنّ القضيّة المحورية التي تشكل ذات الإنسان وصيرورته الإجتماعية وتجعلهُ شيئاً مذكوراً هي نظرته إلى ذاته وإيمانه بقدراته وإمكانياته مهما كانت بسيطة ومتواضعة، لأن قيمته الحقيقية تكمُن في درجة تقديره لذاته، وإن لم يكن يقِّدر ذاته أصبح لا شيء، فالقضية مرتبطة أصلاً بالإنسان وليس بنظرة الناس إليه بالرغم من أهميتها في تحقيق " بعض " جوانب الرضا عن الذات .
إنّ الظروف التي يظن بعض الناس أنها تصنع الإنسان لا تستطيع في جميع الأحوال أن تجعل منه شيئاّ مذكورا، مالم يكن اختياره من الداخل أن يكون ذو بال وفاعلاً في البيئة المحية به، فليس حسبهُ ولا نسبهُ أو مالهُ أو جاههُ هو الذي يضمن تحقيق رفعته، ولكن تقديره لذاتهِ هو الفيصل بين كونه شيئاً أو لا شيء، الأمر مرتبط بنظرة الإنسان لذاته من الداخل وليس مرهوناً بالظروف الخارجية التي تُحيطُ به.
ولهذا فإنّ الفقر والغِنى لا يُشكلان الإنسان، والبيئة الخارجية لا تفرض على الإنسان مسارات مُحدّدة بذاتها، وإنما يمكن أن يكون الفقر دافعاً نحو المجد إذا آمن الإنسان بذاته وتعرّف على امكانياته وقدراته الكامنة في أعماقه وقرّر استثمارها، وفي المقابل قد يكون الغنى وسيلة للدعةِ والإسترخاء والهوان وتلاشي الإحساس بالمسؤولية تجاه الذات، ولا شكّ أن الحياة تزخر بالشواهد الماثلة للعيان على ذلك.
من هنا فإنه كلما كانت هناك رؤية واضحة فيما يريده الإنسان، كلما زاد تقدير الإنسان لذاته لأنه يعرف ماذا يريد من حياته، فهي والحال كهذا تصبح حياته ذات معنى وليست هدراً، ولذلك فإنّ من يعرف غاياته يستطيع أن يُحدِّد مساراته بصورة واضحة وجليّة، كما يكون قداراً على استثمار إمكانياته في سبيل تحقيق غاياته النبيلة، على عكس من لم يكن له غايات ومقاصد محددة تحديداّ دقيقاً وعلى أُلفة بها، فإن حياته هنا تضيع سدى ووقته يمضي كالدخان وإمكانياته تتلاشى كالسراب، لأنه لا يعرف مع الأسف ماذا يريد .
إنّ الفرص في الدنيا كثيرة ولكن الإنسان هو الذي حدّد غاياته وهو الذي يجب أن يبادر لإنتهاز الفرص، لأن الغاية قيدْ والفرصة صيدْ ، وهذا مالا يدركه المتمترسون خلف الآخرين.