لا ينجح التقريب إن لم يتحول إلى ثقافة

 

 

 

 

على الرغم من استخفاف البعض بالدعوة الى التقريب إلا أن النخب في العالم الاسلامي طالما دعت إلى ضرورة التقريب بين معتنقي المذاهب الإسلامية، وفي هذا الاطار أجرينا الحوار التالي مع الكاتب والاعلام السعودي الأستاذ حسن آل حمادة..

كيف تقيم تجربة التقريب في السعودية؟
لا زالت تجربة التقريب في السعودية على المستوى النظري، إذ إن الحديث عن التقريب رسميًا، يُعدُّ لدينا أقرب إلى الحالة التكتيكية التي تطفو على السطح وقت الأزمات التي تمر بها البلد أو المنطقة.
والذي نريده ونطمح إليه أن يكون العمل على التقريب من الخطط الإستراتيجية الدائمة، لا أن يكون سحابة صيف عابرة!

هل ينبغي أن تكون هناك سلطة لوضع أسس التقريب وقواعده والعمل به أم أن المجتمع بحد ذاته منسجم ولا حاجة لمؤسسة ومركز لذلك؟
إن نشدنا الحقيقة فإن المجتمع غير منسجم مع ذاته، فكثير من الهويات تتقاذفه يمنة ويسرى، فالحالة المذهبية/الطائفية في حالة غليان وتصاعد، إذ بين فينة وأخرى يتجدد الحديث عن الفكرة الناجية المقتصرة على أهل نجد! وهي الأضحوكة التي سخر منها المغردون في تويتر بقوة، حتى تمنى البعض أن يحظى بقطعة أرض في نجد ليكون من الناجين!!

أما عن الحالة المناطقية، فحدِّث ولا حرج، فهي متجذرة وواضحة كوضوح الشمس في بارقة النهار. وأيضًا لدينا الحالة الطبقية بين من هم في القمة ومن هم في القاع! لذا فإن الحديث عن التقريب يمثل حاجة ضرورية وملحة في السعودية، ولا يوجد خيار آخر غيره، إلّا التناحر الذي سيضر الجميع، والخاسر الأكبر حينئذ الوطن ككل، فالنار إن اشتعلت لا تبقي ولا تذر.

وبخصوص الحديث عن السلطة التي تضع أسس التقريب، فليس من الضرورة أن تكون السلطة السياسية، فربما يشارك في هذا الأمر السلطة الدينية الرسمية/والأهلية.
وشخصيًا لا أتصور نجاح التقريب، إن لم يتحول إلى ثقافة عامة يؤمن بها طيف واسع يتجاوز الإرادة السياسية، وإن كانت هي المسؤول الأول عن بثّ هذه المفاهيم وتنميتها في الأمة.

هل التقريب يعني التخلي عن مبادئ وعقائد كل طرف؟
لا، بطبيعة الحال، وكما نردد في المثل الشعبي في القطيف، يبقى "عيسى بدينه، وموسى بدينه"! فالتقريب، لا يعني إطلاقًا أن يتنازل طرف منا عمَّا يعتقد به، وإنما نتلاقى في المشتركات وهي كثيرة بيننا، ويكفي أننا نتفق على: التوحيد، والنبي، والقرآن، والقِبلة، والمعاد!

أما فيما يخص الأشخاص فلا أجد مشكلة لو اختلفنا في شأنهم، فهم بشر! وقد لا أميل كثيرًا لمصطلح (التقارب)، لأنه يشكل لبسًا عند البعض، ولعلّ مصطلح (التعايش)، هو الأقرب إلى نفسي، فبمقدورنا أن نتعايش مع بعضنا وإن اختلفنا في الكثير من التفاصيل، إن كانت لغة القانون هي السائدة بيننا.
وما أجمل أن نستحضر في حالة الاختلاف قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ[سبأ:24]، بدلًا من وهم امتلاكنا للحقيقة المطلقة التي تحول بيننا وبين الإصغاء للآخر.

هل إثارة الخلافات العقائدية والتاريخية والتطرق لها يهدد وحدة وانسجام المجتمع؟
الإثارة بالطرق المجنونة التي نلحظها في وسائل الإعلام المؤدلجة أو على أعواد المنابر الإسلامية التي يهيمن عليها منطق (الفرقة الناجية)، وتكسير رأس الخصم! فهي بالطبع تهدد وحدة المجتمع! وهذا لا يعني ألا نتطرق لمسائل الخلاف في الحوارات الدائرة بين الأطراف المتباينة، فالفضول المعرفي جبلّة إنسانية، وهي أمر واقع، شئنا أم أبينا، فما اجتمع اثنان، إلّا كان الجدل ثالثهما! لكننا بحاجة لترشيد حالة الحوار؛ ليتعرّف كل طرف وجهات نظر الآخر من لسانه، لا مما يُقال عنه بألسنة المغرضين والأبالسة والشياطين.

هل ينبغي طرح الخلافات في كل مكان وأمام عموم الناس وفي وسائل الإعلام أم ينبغي الاقتصار على ذلك في اجتماعات النخبة؟
في مثل هذا الوقت الذي نعيشه ليس من الحكمة طرح قضايا الخلاف في غرف مغلقة، فقد اتسع الخرق على الراقع! لكننا بحاجة لطرح وجهات نظرنا بهدوء بعيدًا عن تجريح الآخر. وأتذكر من باب التجربة إن أحد المهتمين قال لي: كيف تنادي بالتعايش وأنتم تُجرحّون في بعض الصحابة؟ فقلت له: نحن لا نُجرِّح في أحد، وإنما لا نقبل كل ما صدر عنهم! لكن، ماذا عنكم؟ فأنتم تكفرون أبا طالب، وهو بنظرنا مؤمن قريش؟ وهو معروف في دفاعه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى إن عام موته عُرف بعام الحزن. فقال لي: لكن، لم يثبت إيمانه لدينا! فرددت عليه: إذًا، لك أن تعذر غيرك إن لم يقتنع ببعض رموزك التاريخية! ودعنا نتعايش مع حالة الاختلاف هذه.

ما هو السبيل لإرساء أسس وقواعد التقريب والتي تعزز اللحمة والوحدة الوطنية والتي تحول دون تأثر المجتمع لأية هبة خلافات؟
السبيل أن نقِّر بأن الاختلاف هو الحالة الطبيعية في الوجود، ودعني أجيبك عن هذا السؤال بتغريدات منوّعة على مقام المحبة، لأقول: - "دعونا نختلف بمحبة"، فالمطابقة هي الوهم الأكبر!!
- لن تتعلم ألف باء "دعونا نختلف بمحبة"، إن لم تخرج من جلباب شيخك وكتب بني قومك!
- من يكفر الآخر لن يفقه أبدًا، ألف باء "دعونا نختلف بمحبة".
- الكرامة -كما أشار القرآن- لبني آدم/للإنسان! فلا تصادر حقه حين يختلف معك، ومن أجل ذلك، "دعونا نختلف بمحبة".
- "دعونا نختلف بمحبة"، ولنربِّ أولادنا على أدب الاختلاف؛ ليتمظهر ذلك في سلوكهم مع الآخر.
- "دعونا نختلف بمحبة"، ونتجادل بموضوعية، ومن شاء منكم أن ينتصر للشيطان، بتحويله الاختلاف إلى خلاف، فهذا شأنه!
- "دعونا نختلف بمحبة"، فالحالة الطبيعية أن نختلف ونتجادل! ولا يصح أن نطلب من الآخر أن يتطابق معنا، فهذا منطق المستبدين!!
- "دعونا نختلف بمحبة"، فحين نلتقي على الخير ونتناقش بموضوعية، سنندم على سنوات عشناها في القطيعة!!
- "دعونا نختلف بمحبة"، وسنكتشف عناصر القوة بيننا.
- الكبر أخرج الشيطان من الجنة! فلا يخرجنكم وهم امتلاك الحقيقة المطلقة عن دائرة الإنسانية إلى دوائر أخرى، لذلك "دعونا نختلف بمحبة".
- دعونا نختلف بمحبة، مع الآخر الديني، فضلًا عن الآخر المذهبي! فالكرامة للإنسان- مطلق الإنسان- وليست للدين أو المعتقد!! - "دعونا نختلف بمحبة"، فما أجمل الطيف؟
- "دعونا نختلف بمحبة"، فهذا خيار العقلاء! - لن أتمكن من شطبك، ولن تتمكن من شطبي! لذلك "دعونا نختلف بمحبة".
- "دعونا نختلف بمحبة"، لأن الاختلاف هو الحالة السائدة في الكون!
-"دعونا نختلف بمحبة"، فلا ضير حين تتباين الآراء بيننا.
- "دعونا نختلف بمحبة"، فالنار التي يؤججها البعض، ستحرق الجميع إن لم نسعَ لإطفائها قبل أن يتسع نطاقها بيننا!

ما رأيك بالمقترح الذي قدمه الملك عبد الله خلال القمة الإسلامية الطارئة بتأسيس مركز للتقريب.
نبارك هذه الخطوة، ونأمل أن تتحول إلى برامج عملية قائمة، ونأمل أن نتلّمس أثرها في مناهج التعليم التي يدرسها طلابنا في المراحل الدراسية المختلفة، وعبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، فللأسف لا يزال شطب الآخر وتكفيره هو الحالة السائدة لدينا في السعودية، وكلنا أمل بأن يُتخذَ قرارٌ سياسيٌّ جريءٌ بتجريم التكفير والتجييش الطائفي، فلا نزال نسمع بين الفينة والأخرى، من يكفرنا، والكتب الرسمية المطبوعة في السعودية لكبار العلماء تشهد بذلك!

لذا نحن ننتظر بفارغ الصبر أن نشهد تغييراً في مناهج التعليم النظامي تحديداً؛ يجمع بين ثناياها مختلف الآراء الفقهية للمذاهب المتعددة؛ هذا إن كنّا نطمح في رؤية جيل من المتحاورين الجُدد -إن صح التعبير-، وإلا فسيبقى الحوار لغة تكتيكية، نمارسها حين تعصف بنا المتغيرات، وضغوط الخارج، والصحيح أن يتحول الحوار إلى إستراتيجية دائمة.

هناك من يقول إن السعودية لو سحبت فقط الدعم المالي الذي تقدمه لوسائل الإعلام الذي تحرض على الطائفية فإنها ستقدم خدمة عظيمة لوحدة وانسجام الأمة الإسلامية بدلًا من تأسيس مركز للتقريب؟
نحتاج للأمرين معًا! فنحن بحاجة لتأسيس مركز للتقريب والحوار بين المذاهب، كما إننا بحاجة لتجفيف المنابع التي تزوّد الطائفيين بالمال والدعم المعنوي.. ومن المؤسف والمعيب أن تنطلق بعض الفضائيات الطائفية المشهورة من أرض الحرمين؛ لتعمل على بث الفتنة، في الأمة التي أراد لها الله- سبحانه وتعالى- أن تكون أمة واحدة!

حاوره صالح الحائري

كاتب سعودي «القطيف».
عنوان مدونة الكاتب: http://www.elaphblog.com/hahamadah