صوتنا النائم في الحي اليقظان
قد يوحي عنوان المقال بأنني سأكتب عن حي بن يقظان القصة الرمزية التي تتناول حياة الإنسان في بحثه عن الحكمة والوصول إلى حقيقة الوجود لتبقى روحه معلقة بالجانب الإلهي وحده. هذه القصة التي ارتبط اسمها بابن الطفيل، يذكر الكاتب المبدع يوسف زيدان في كتابه ( حي بن يقظان، النصوص الأربعة ومبدعوها ) بأنها تنتمي في الأصل إلى تراث ما قبل الحضارة الإسلامية ثم اختفت قرونا طويلة لتعاود الظهور على يد الشيخ الرئيس ابن سينا للمرة الأولى باللغة العربية. ثم أعاد كتابتها ابن طفيل الذي نقلها إلى حيز الرواية مضيفا إليها أسئلة جديدة كانت تشغله كواحد من أهم فلاسفة الأندلس، ثم قدمها للمرة الثالثة تحت عنوان الغربة الغريبة شيخ الإشراق السهروردي الذي حمّلها مفاهيمه الصوفية معتبرا عمل ابن سينا فصله الأول الذي يكمل عليه. أما الصورة الرابعة فقد ألفها العالم والطبيب ابن النفيس مؤكدا على حسها الروائي ومطلقا عليها اسما جديدا هو فاضل بن ناطق.
حديثي ليس عن هذا النص الإبداعي الجميل، وإنما على العكس تماما، إذ أقصد بالحي فضاء الانترنت الواسع والمتمدد والذي جعل العالم حيا واحدا وليس قرية كونية كما يقال، وأصفه باليقظان لأنه لا ينام أبدا على مدار الساعة، وفي حالة تجدد مستمر وتواصل دائم. سيكون حديثي عن صوتنا النائم في هذا الحي بالتحديد.
نعلم جميعا كيف استخدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما كل زاوية في هذا الحي في حملته الانتخابية وما بعدها، حيث يتواجد في 16 موقعا مخصصة له في الفيس بوك واليوتيوب وماي سبيس والتويتر وغيرها، وذلك لأنه يدرك تماما معنى أن تكون يقظانا في حي الانترنت. ولنفس السبب تجد صفحات أخرى للرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الصيني وغيرهم.
ونظرا للأهمية المستقبلية لهذا الحي في إحداث الكثير من التغيير في المجتمعات عامة، نلاحظ أن مبادرة المجتمع المدني التي أطلقتها مؤخرا وزيرة الخارجية الأمريكية في منتدى المستقبل، تركز على تطوير الكفاءات في منظمات المجتمع المدني في أنحاء العالم لبناء إمكانياتها الرقمية، من خلال التدريب على كيفية إنشاء مواقع على الشبكة، وكيفية التعامل مع المدونات، وكيفية إطلاق حملة رسائل نصية قصيرة، وكيفية بناء شبكة اجتماعية على الانترنت، وكيفية حشد الشبكات الاجتماعية لتأييد قضية ما.
هذا عن حضورهم، أما عنا فحدث ولا حرج، فالمتتبع لحضورنا في هذا الحي سيدرك أنه حضور خجول لم يستوعب بعد مدى أهمية وتأثير أن يكون لك صوت إلكتروني يتخاطب مع الآخرين – خصوصا جيل الشباب من الجنسين - بلغة العصر من خلال منبر العصر الذي هو بالفعل منبر من لا منبر له.
يوجد لبعض علمائنا ومفكرينا ومثقفينا وغيرهم دكاكين في هذا الحي، وهذا شيء جميل بالقياس لآخرين آثروا الغياب التام، ولكن المشكلة أن كثيرا من هذه الدكاكين العلمية والثقافية والفكرية تعاني حالة الكساد العظيم حتى في أفضل أوقات الازدهار. وإذا حاولنا أن نفهم الأسباب وراء ذلك، فعلينا أن نفكر بطريقة دكانية بحتة، فما الذي يجعل متجرا ناجحا وآخر أقل نجاحا أو فاشلا؟
الجواب سيتمحور حول البضاعة نفسها من ناحية الجودة شكلا ومضمونا، وطريقة العرض، والسعر التنافسي والعروض المقدمة، وحول موقع الدكان، وحول البائع ومعرفته باتجاهات السوق وأسلوبه وقدراته التفاوضية والإقناعية لجذب الزبون.
المتصفح لمواقعنا العربية والإسلامية الجادة عموما سيكتشف أن أغلبها دكاكين تفتح ساعة في الأسبوع، وأنها كبعض المطاعم والمحلات التي تصر على أنه لا يوجد لديها فرع آخر، وأن حالتها التفاعلية ميتة أو شبه ميتة، وأن بضاعتها مضى على تاريخ صلاحيتها زمن طويل. ترسل لهذه المواقع رسالة فلا يأتيك جواب، أو يأتيك بعد لأي ونأي. تمر على صفحاتها اليوم، وبعد شهر تجدها ( على حطة يدك ) كما يقولون، دون تحديث أو تغيير.
لا أدري هل هذا زهد في حياة النت وزينتها، أم استرسال واستصحاب لحياتنا الراكدة، أم إصرار على التمسك بالأساليب التقليدية للتواصل مع الآخرين، أم ضعف وعي بقدرات هذا الحي المتنامية في إيصال صوتنا ورسالتنا، وأيضا على ابتلاع كل بيت من بيوتنا، شعرنا بذلك أو لم نشعر