عذراً يا زميلي العزيز
كثيرٌ من الأشخاص يدّعون أنهم غير راضين عن حياتهم الوظيفية، وأنهم يريدون إحداث تغيير حقيقي في نمط أدائهم الوظيفي, ولكنهم في الواقع هم فقط يتحدثون عن ذلك من دون القيام بأي عمل ولا بأي جهدٍ ملموس من أجل تحقيق ذلك ولو ندر, ويبقون يبررون وضعهم الهامشي ويتهمون رؤساءهم، وزملاءهم، وكل من حولهم بأنهم السبب فيما آل إليه حالهم التعيس.
هؤلاء في الحقيقة لا يحاولون القيام بالتغيير المطلوب، ولا تشعر أن لديهم الرغبة الجادة في الخروج من النفق المظلم الذي حبسوا أنفسهم فيه، وليس لديهم الإستعداد لتحمُّل نتيجة سلوكهم التقاعسي، ويفضلون الجلوس والتذمر والدخول في وضع من اليأس والكآبة، ويقومون ببساطة تامة بإلقاء التُهم على الآخرين دون مبررٍ يُذكر في معظم الأحيان, لأنهم لا يأخذوا المسؤولية على أنفسهم, بالرغم من أنهم وعلى مرأى من الجميع متقوقعين في مكانهم الآمن والهادئ والبعيد كل البُعد عن أشعة الشمس المُحرقة كما يتصورون .
ألم يُدرك هؤلاء الحاضنين لأنفسهم ببلادة أن الأقوياء هم الذين يقومون بالأعمال الصعبة ، ويسارعون إلى الإستجابة عندما تُعرض عليهم المهام الإستثنائية، أو المواقع الوظيفية المستحدثة، لأنهم بعبارة بسيطة يثقون في أنفسهم، ولديهم القابلية الكبيرة على التكيُّف مع المستجدات، كما أنهم يملكون القدرة الهائلة لإستيعاب الآخرين والتفاعل معهم من أجل تحقيق الأهداف، وإن لعقوا مرارة حُمّى البداية، فهم قد روّضوا أنفسهم على التعاطي مع المواقف الحرجة بكفاءة وإقتدار، وتسلحوا بالمعرفة شبه الشاملة في كافة الأعمال التي تدخل ضمن إختصاصاتهم، وباتت لديهم القابلية لإقتحام الضباب دون ضجيج .
إنّ استراتيجية التجنُّب، والرغبة الجامحة للعيش في الظل من أجل الحفاظ على السلامة المزعومة، والإستمتاع بالراحة المسمومة من شأنها ان تُساهم في ضمور المهارات، وأن يتمخّض عنها نقصٌ كبيرٌ في المعارف والقدرات، وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف بل وتضعضع في الثقة بالذات، كما أنه يقود الموظف بسرعة هائلة إلى مستنقع الغيرة القاتلة، وعدم الإضطلاع بدور فاعلٍ ومؤثر في بيئة العمل، ناهيك عن تعرضه لموجات التجمد الوظيفي الصاعقة، وفقدانه للمكانة التي يتحسّر عليها بمحض إرادته حتى ولو حاول التبرير لإخفاقه المستمر هذا بقذف التُهم على الآخرين كحيلة دفاعية لا يخادع بها إلاّ نفسه.
سُئل حكيم : من هو الكسول؟ فأجاب : " هو الشخص الذي لا يريد أن يمشي في الشمس حتى لا يجُرَّ ظله " وهذا بالضبط ما ينطبق على بعض الموظفين الذين لا يزالون يمارسون نفس الأعمال منذُ أول يومٍ في حياتهم الوظيفية، وإذا سألتهم عن سبب ذلك، فإن الجواب الشافي، الكافي، الحافي في الحقيقة جاهز لديهم، وهو أنهم لم تتاح أمامهم الفرصة لتغيير وضعهم، وتحسين مركزهم الوظيفي، وبهذا فهم يُقدِّمون انفسهم على أنهم من ضحايا غياب العدالة في بيئة العمل، وانحسار مبدأ تكافؤ الفرص، وهذا وإن كان المرء لا ينكر إنعدامه، إلاّ أنه ليس مبرراً كافياً ووحيداً لميول هؤلاء " البعض " للإستمتاع بالمبيت على حافة الهامش وهم يتدثرون برداء الأمنيات.