نحن والديمقراطية: هل من أمل؟
قبل الربيع العربي، وبالتحديد في العام 2008 نشر أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين الدكتور باقر سلمان النجار كتابه (الديمقراطية العصية في الخليج العربي)، قام فيه بعرض وتحليل المجتمع الخليجي وطبيعة مؤسسة الدولة وعلاقتها بمنظمات المجتمع المدني الفاعلة.
ومفهوم المجتمع المدني كما عرفته ندوة "المجتمع المدني" التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية عام 1992بأنه "يقصد به المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعددة، منها أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني والقومي، ومثال ذلك الأحزاب السياسية، ومنها أغراض نقابية كالدفاع عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي الثقافي، وفقا لاتجاهات أعضاء كل جماعة، ومنها أغراض للإسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية".
ولعل هذا التعريف كاف لوحده في نفي وجود مجتمع مدني في الدول العربية، حيث الدولة حاضرة بقوة في كل مفاصل الحياة، تعطي وتمنع، وتوسع وتضيق، وحيث المدينة العربية ذاتها لم تتطور مكوناتها باتجاه المجتمع المدني، بل "تريفت" بحسب تعبير الدكتور متروك الفالح في كتابه (المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية)، أي أنها أحضرت للمدن القوى التقليدية الريفية المحدد بالهويات الضيقة كالانتماء القبلي والمناطقي والمذهبي وغيرها، مما جعل الدكتور الفالح يقول بانتفاء وإقصاء فكرة "المجتمع المدني" في المنطقة العربية.
لا نريد أن نتحدث هنا كثيرا عن المجتمع المدني، إذ يحتاج ذلك لتخصيص مقال أو مقالات عنه، ولكن الفكرة الأساس التي يطرحها الدكتور النجار هي في تعسر التحول الديمقراطي في منطقة الخليج العربي بسبب غياب مؤسسات المجتمع المدني بمفهومها الحديث وبسبب تلكؤ السلطات في القيام بمبادرات تحديثية جادة. فالكثير من المنظمات الأهلية أو النقابية – بحسب الدكتور النجار – سواء أكان ذلك في البحرين أو الكويت أقيم على أسس حداثية، إلا أنه قد انتهى إلى سيطرة القوى والتضامنيات التقليدية. ويعني بالقوى والتضامنيات التقليدية القبائل والطوائف والجماعات والجهات المختلفة. ومن هنا فإنه يرى بأن "التغيير الحقيقي لا يأتي إلا عندما يتحول الوطن والوعي به على أنه وطن لكل الناس، وأن الدولة شأن عام يخص كل الناس فلهم فيها حق وعليها واجب، وأن مساءلتها وتقويمها وتدوير مراكزها، ومراكز تنظيماتها واجبة لا مستحبة، بل إنها إحدى الضرورات المعاصرة. فالداخلون إلى العصر هم فقط من يعون التاريخ ويعملون بأسبابه، أما الخارجون من العصر والتاريخ فهم أولئك الذين لم يعوا أسبابه أو لم يأخذوا بها".
والسؤال الآن: هل تغير الوضع بعد الربيع العربي، وظهور بوادر تحول نحو الديمقراطية في المجتمعات العربية، كما في مصر وتونس وليبيا؟ أم إن الديمقراطية لا تزال عصية ليس في الخليج فقط، وإنما في العالم العربي ككل. إذ إن الثقافة الحاكمة لم تتغير بعد، فحتى المنظمات التي تدعو للديمقراطية، لا تمارس الديمقراطية في داخلها، فضلا عن خارجها، وما أداء الإخوان المسلمين في مصر عنا ببعيد.