أين حظ الأنثى من العَشَرة؟
بكل ثقة أقول: لو أُعطِيَت الأنثى في مجتمعنا نصف حصة الذكر من الاهتمام، كما هو حظها في آية الإرث، لتغير حال مجتمعنا بشكل إيجابي أضعافا مضاعفة، غير أن الواقع كما نشهده يعاني من مرض تصلب الشرايين بسبب ارتفاع نسبة الكوليسترول الذكوري في دمه. كم هو نصيب الأنثى في الأندية الأدبية والجمعيات والمنتديات والملتقيات الثقافية والأنشطة الاجتماعية المختلفة حضورا ومشاركة؟ كم هي نسبة المؤسسات النسوية إلى أختها الرجالية؟ كم وكم، والقائمة تطول؟!
من الأمور التي تسترعي انتباهي في الأيام العشرة الأولى من المحرم - والتي تعتبر موسما دينيا وثقافيا واجتماعيا كبيرا في منطقتنا، حيث مراسم إحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام- هو قلة التركيز على دور المرأة وإسهامها الإيجابي في هذا الحدث. فلم يتم مثلا تخصيص يوم من الأيام العشرة للحديث عن الشخصيات النسائية الفاعلة التي شاركت في نصرة الإمام الحسين بمواقف مختلفة. وكان على رأس تلك الشخصيات عقيلة الطالبيين زينب بنت علي بن أبي طالب التي تحملت من الأعباء والآلام ما لا يستطيع حمله الأشداء من الرجال، وقامت بمهامها قبل المعركة وفي أثنائها وبعدها خير قيام. والحديث حول ذلك يحتاج لأكثر من مقال.
لقد قامت العديد من النساء بأدوار تفوقن فيها على الرجال بجدارة، بل كشفن فيها عورات أشباه الرجال، كما فعلت مارية بنت منقذ العبدية التي كان منزلها في البصرة " مألفا لشيعة أهل البيت يتحدثون فيه في ما يهمهم من أمور دينية وغيرها" كما يقول الشيخ فوزي آل سيف في كتابه (نساء حول الرسول وأهل البيت)، وكان ستة من أنصار الإمام الحسين من خريجي ذلك المجلس. بينما نرى في الجانب الآخر، سقوط ثلاثة من إخوتها الذكور في الاختبار سقوطا مدويا، وهم رضي ورجاء ومرة بن منقذ، حيث كانوا في المعسكر الآخر ضد الحسين.
من النساء اللاتي لعبن دورا رائدا قبل المعركة هي أم القاسم زوجة حبيب بن مظاهر الأسدي. فعندما كان الإمام الحسين يسير من مكة إلى الكوفة كتب كتابا إلى حبيب، يقول فيه: من الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر، أمّا بعد يا حبيب، فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنت أعرف بنا من غيرك، وأنت ذو شيمة وغيرة، فلا تبخل علينا بنفسك، يجازيك جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة.
يضيف التاريخ: ثم أرسله إلى حبيب، وكان حبيب جالساً مع زوجته، وبين أيديهما طعام يأكلان، إذ غصَّت زوجته فقالت: الله أكبر يا حبيب! الساعة يرد علينا كتاب كريم من رجل كريم، فبينما هم في الكلام وإذا بطارق يطرق الباب، فخرج إليه حبيب وقال: من الطارق؟ قال: أنا رسول الحسين ( عليه السلام ) إليك، فقال حبيب: الله أكبر! صدقت الحرَّة بما قالت، ثم ناوله الكتاب، ففضَّه وقرأه، فسألته زوجته عن الخبر فأخبرها فبكت وقالت: بالله عليك يا حبيب لا تُقصّر عن نصرة ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
في المقابل كان موقف بني عمه سلبيا حيث حاولوا منعه من الخروج لنصرة الحسين .
ومنهن أيضا دلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين التي حثت زوجها على اتخاذ القرار الحكيم الأصوب، مقدمة عقلها على عاطفتها، قائلة له: خار الله لك يا زهير. أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين.
ومنهن كما ذكرنا في مقال مستقل (طوعة) التي آوت سفير الحسين إلى الكوفة مسلم بن عقيل بعد أن تخلى عنه رجالها، فسجلت موقفها البطولي ناصعا في صفحات التاريخ؛ وكذلك أم وهب التي استشهدت في طف كربلاء بعد مصرع زوجها عبد الله بن عمير الكلبي الذي شجعته على نيل الشهادة.
ومنهن بل في مقدمتهن نساء أهل البيت اللاتي أبلين البلاء الحسن بعد المعركة، وكان لهن الدور الأكبر في نشر ظلامة الحسين وفضح أعدائه.
إننا نحتاج في هذا العصر بالذات لتسليط الضوء على النهضة الحسينية بكافة أبعادها المشرقة، وأن نقدمها للعالم أجمع في صورتها الأبهى التي احتضنت الإنسان والإنسانية.