حين يمارس جميل الحبيب دور الحكواتي
جميل الحبيب شاعر سعودي سنبسي ذو أفكار مقرمشة إذا غاص في الطرح أمتاز بنفس الغواص العميق وإذا حلق خلته قديساً حالماً يحاول أن يقارب بين الواقع والخيال بشحطة قلم، لكن الأهم من هذا وذاك كيف يقوم بهذه المقاربة؟ هذا ما سيكون محور السطور المقتضبة القادمة.
رواية رجل ملهم يعدها الشاعر مشروع استمر معه لعشر سنوات ويحسبها القارئ المتلمس لمواطن الجمال على صعيد الحبكة النصية الفنية وعلى صعيد الرؤية الفنية للعمل الروائي تمثل باكورة لأعماله الروائية ولذا لا يمكن أعطاء حكم نهائي على تفكيره الروائي والقول بأنها تمثل عملاً روائياً ناضجاً من عدمه بقدر ما تشكل علامة فارقة في تجربة الشاعر جميل الحبيب خصوصاً لناحية التباين في مستوى الأسلوب القصصي بين مقطع وآخر يضاف لذلك وجود ارتباك لغوي في صياغة الأحداث ووجود إسهاب وإطناب واضح في في الكثير من مواطن النصوص وذلك لطغيان الحس الشاعري والفكري على العمل الروائي مما يعطى انطباع للقارىء أن العمل الروائي لم يعط حقه كما يجب.
السؤال الملح لدى قراءة هذا النص الروائي هو هل من الممكن أن يتحول الشاعر بين ليلة وضحاها إلى روائي وهل ذات الأدوات التي يستخدمها الشاعر تصلح أن تكون قنطرة يجسر من خلالها القاص نصوصه ليسبر بها أعماله الفنية التي يظن أنها تنحو به نحو الاحتراف في التذوق لجمال الحياة أم هي الرغبة العارمة في خوض المجهول من أجل أن يسكب الشاعر المثقف الغاضب من الظلم خلجات بوحه ليقولبها في صورة محاكاة تجمع بين الواقع والخيال في صورة أشبه ما تكون بالأفلام الهليوديه التي يرتفع فيها سقف المسانخة إلى درجة يصعب التفريق فيها بين الخيال والواقع فالقادمون كما تقول جاكلين سلام لا توجد لديهم أحذية للدخول إلى الماضي، بينما ما نشاهده في رواية جميل الحبيب هو انعدام المسانخة في موضوعات البيئة التي يتحدث عنها وهي أنقولا الواقعة في جنوب غرب أفريقيا مع المسميات حيث سيلحظ القارىء للرواية أنها تضج بالأسماء المكانية السلفية العربية "بحيرة أبو معاذ" والأشخاص العرب "ناجي المليحي" "غالب الطويل" واللهجات الشعبية "يرقل" "صفقه صفقتي الباب" والتصريفات اللغوية فالظلال صار جمعها أظلال" وكأن أنقولا هي بيئة سنابس البحرية أو جزيرة تاروت وحتى على مستوى أسماء العوائل "غالب الطويل ".
ولا أدري ما الغاية التي يرمي من ورائها الشاعر الحبيب في روايته، أتراه يسعى لتبيئة النص ليكون أكثر مقبولية أم ماذا؟ وكما يقولون المعنى في قلب الشاعر وفي بطن الشاعر على رواية أخرى.
بل انك تصطدم حينما تقفز لك عبارة: قال الراوي، وهي المهنة الحكواتية الغريبة أيضاً عن بيئة الروايات الحديثة.
أليس غريباً هذا التماهي بين شخصية الروئي وشخصية الحكواتي.
هذا الكوكتيل من أساليب السرد القصصي التي يحاول أن يوظف فيها الشاعر كل إمكاناته فيجهد نفسه ليؤلف الأغاني بالشعر الحداثي الحر ويضمنها غواية سردياته مع ما هنالك من تناقض بين رؤية الشاعر لهذا النمط وبين ممارسات الشاعر حيث يصرح الشاعر في إحد لقاءاته: " الشعراء الحداثيون أنا أشبههم بالسوس الشرس الذي تسلط على غابة الشعر ونخرها فراحت أشجارها تتهاوى واحدة تلو الأخرى " وهنا لا أريد أن أصدر أحكام قاسية بقدر ما أريد أن أضع بين علامتي تنصيص كما يحلو للروائي العزيز مظاهر اللاجامي متسائلاً في هذا المقام عن المنحى السردي الذي أنتهجه المؤلف.
عوداً على بدء من أصعب الأمور في مجال السرد الروائي هو تبيئة النص حيث يعمد الكاتب لضخ طوفان مشاعره وربما حاول عولمة الحدث ولكن هذه العولمه من الضروري تبيئتها لتتوافق بشكل منسجم سواء من الناحية التاريخية أو الجغرافية مع طبيعة الشخصيات والأسماء واللغات والأمكنة، وإلا فإن الحبكة الروائية ستكون هجين متضعضع لا يصمد أمام مزاج القارىء الذويق التواق لقراءة نص باذخ الجمال، ليحاول من خلاله ان يغذي حسه الفني ويضيف لرصيده اللغوي أشياء جديدة، بدل الدوران في حلقة مفرغه من التصورات الشخصية الغير واقعية وهنا لا ننكر ما لدى الكاتب من حس ثقافي راقي حاول أن يضمنه روايته ولكن الحس الثقافي وحده لا يكفي لتقديم عمل فني روائي ما لم يتم ضخ هذا النص بزخم يتوزع بشكل منسجم مع ذهنية القارىء ومع مناهج وأساليب وتقنيات وأنساق مدارس العمل السردي.
وفي هذا المضمار سأل الجواهري ذات مرة ما رأيك بشعر السياب فأجاب في شعره الجيد والرديء وأنا لن أزيد على قول الجواهري.
ولعل التباعد في كتابة نصوص الرواية أسهم في تضعيف العمل الروائي "رجل ملهم " وهو ناجي الذي انتهت حياته في الرواية من ثائر جرب الهزيمة في مقابل الحاكم "وصيف" من أجل حرية إقليم أنقولا إلى مجرد رجل عادي يحاول إعادة ترتيب أوضاعه العائلية ويتعرف على الفتاة "لحب" بعد وفاة زوجها الأول وبعد عدة أشهر من لقاء عابر معها بعد ضياع ولدها.
هذا التصور لم يكن الحب فيه ملهماً له ومؤثراً في قضيته المركزية وهي وطنه فالرجل الملهم هو من يحركه طوفان الحب "الوطن"، "الحب القضية"، "الحب الحياة"، الحب المتجذر الذي ينمو بشكل طبيعي، ليتسامى ويفجر طاقاته من أجل حرية وطنه للقضاء على الظلم ولعل النهاية المأساوية والطبيعية لمستشار الحاكم عسكرياً على يد ناجي الهارب من السجن والهارب من المستشفى إلى قلب حبيبته تذكرنا بحبكة الأفلام الهندية التي يحاول فيها المخرج الدخول من غير مقدمات لتصوير أقدار البشر كما يحلو له لا كما تشاء الظروف خصوصاً بعد استحالة زواجه من حبيبته "ليلى " أخت الحاكم بحكم التفاوت الطبقي ووجود العداوة الشعبية مع الحاكم وهذا ما لم استطع هضمه حتى لو سلمنا جدلاً بأن الحب ليس له حدود ولا يعترف بالطبقية حتى لو كان من أول نظرة إذ أن هناك تسلسل منطقي وطبيعي للأحداث وإلا لكان بمقدور كل الثورات استثمار سلاح اختراق العدو عن طريق الحب والمصاهرة.
ختاماً: أحب أن أشير لمفاكهة بريئة جرت بيني وبين أحد الباحثين الأصدقاء من سنابس الحبيبة بخصوص هذه الرواية حيث عمد هذا الصديق العزيز لعمل بحث مدعم بالأدلة والشواهد المادية التاريخية والتي يتوخى من ورائها إثبات أن أصل الأبجديات في العالم يعود لجزيرة تاروت فقلت له أثناء اتصالي بعد قراءتي للرواية إذا كنت تبحث عن أصل الأبجديات فعليك أولاً بتفكيك صلتك وأصل عائلتكم الكريمة في إقليم أنقولا غرب افريقيا.
فقال لي ضاحكاً: يخرب بيتك يا موسى!!