قبسات (2)
التغافل فن من فنون إدارة الحياة على الصعيد الشخصي والعائلي والاجتماعي. وهو يعني تعمد الغفلة وغض النظر عن أخطاء الآخرين تحقيقا لاستمرار العيش المشترك. وعلى عكس التحامل الذي يُثقل فيه الإنسان كاهله برصد هفوات غيره وزلاته وعثراته، يقوم المتغافل بعملية مسح وتصفية لما عَلِق بذهنه منها، وكأنها لم تحدث أبدا.
لا يمكن للحياة المشتركة أن تستمر بين زوجين يتصيد كل منهما أخطاء الآخر، كأنه يطلب منه أن يكون كامل الأوصاف. ولا يمكن لمجتمع أن يحقق التعايش بين مختلف مكوناته وكل واحد منها يراقب كل ما يصدر عن الآخر ويحصي عليه أنفاسه ويؤول حتى ما لا يحتمل التأويل ويسجل عليه النقاط بحبر غير قابل للمسح.
التغافل صفة العقلاء. يقول الإمام علي : إن العاقل نصفه احتمال، ونصفه تغافل.
والتغافل مدعاة للحياة السعيدة، لأن "من لا يتغافل ويغض عن كثير من الأمور تنغصت عيشته" كما ورد عنه أيضا عليه السلام.
وما أروع ما أوصى به الإمام علي بن الحسين ابنه الإمام محمد الباقر عليهما السلام فقال: وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ صَلَاحَ شَأْنِ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا فِي كَلِمَتَيْنِ: إِصْلَاحُ شَأْنِ الْمَعَاشِ مِلْء مِكْيَالٍ ثُلُثَاهُ فِطْنَةٌ وَثُلُثُهُ تَغَافُلٌ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَغَافَلُ عَنْ شَيْءٍ قَدْ عَرَفَهُ فَفَطَنَ فِيهِ.
ومثل ذلك ما قاله الإمام الصادق عليه السلام: صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال: ثلثاه فطنة وثلثه تغافل.
فلنتعلم فن التغافل كي نتمكن من التعايش مع الآخرين بسلام وانسجام.