طوبى لهؤلاء المدراء
يميل الإنسانُ بطبيعته الى إنسانيته ويرغب أن تكون كل الأجواء والتعاملات في بيئته الحياتية والعملية تتم بصيغة ملؤها الروح الإنسانية البعيدة تماماً عن التشنج والتعالي وبرود المشاعر, فمفاهيم العلاقات الإنسانية تركز اهتمامها على الأفراد أكثر من تركيزها على الأنظمة، واللوائح، والتعليمات، والآلات والتقنيات والبرامج، وهذا أمر طبيعي لأن الأفراد هم من يمتلك الشعور والإحساس بالآخرين، كما أنهم من يديرون الآلة ويبدعون في تطويرها، أو يستخدمونها بكفاءة ليحصلوا على إنتاج متميز، إضافة الى ذلك فالأفراد هم من يستجيب عاطفياً ومعنوياً عندما يحل ظرف طارئ في بيئة العمل ليتكاتفوا من أجل شحذ الجهود وتوحيدها لإيجاد الحلول المناسبة التي تساهم في الخروج من المأزق .
ولكن ليس من المستغرب أن يكون هناك في بيئة العمل من يركِّز إهتمامه على أداء الأعمال، ومتابعة وضبط إيقاع الناس، وممارسة سلطته العليا عليهم دون الإلتفات إلى إحتياجاتهم النفسية، وطبيعتهم الإنسانية، بل يعمد للضغط عليهم من أجل أن تكون العملية الإٌنتاجية وفقاً للمواصفات التي ترضي ميوله السلطوي، وتنسجم مع نمط إدارته المتعجرفة وكأن الناس الذين يعملون تحت أمرته ليسوا سوى آلات صمّاء فارغة من المشاعر الإنسانية، والأحاسيس الوجدانية.
هؤلاء الرؤساء الذين هم من نمط ( Mr. Do ) يركزون على أداء المهام، وإنجاز الأعمال فقط، وكأن الموظفين إنما يأكلون ليعملون، فمن لا يعمل لا يأكل حالهم حال البهائم" أعزكم الله " هؤلاء إنما يحفرون قبر حياتهم الوظيفية بأنفسهم، وإنني أدرك أن هناك من القراء الكرام من سيقول في نفسه أنّ هذا النمط من الرؤساء هم الذين مُرحب بهم من قبل بعض الإدارات العليا لأنهم بسلوكهم " البهائمي هذا " إنما يُعبِّرون عن ولائهم الكبير للعمل، كما أنهم الأوفر حظاً للترقي لمناصب أعلى من المدراء والمشرفين الذين يميلون للجوانب الإنسانية في تعاطيهم مع الموظفين من حولهم، وهذا قد يكون واقعاً، ولكن لن يُكتب له الإستمرار.
إن العلاقات الإنسانية تحقق للإدارة سلطة غير رسمية أقوى بكثير من السلطة الرسمية ، تعمل على دعمها ومساعدتها على ممارسة القيادة الناجحة وتقبُّل الآخرين لها ولتوجيهاتها الهادفة والتي تسيطر عليها الصبغة الإنسانية، لأنّ العلاقات الإنسانية في الأساس هي الروابط التي تنشأ بين الناس نتيجة لتفاعلهم أو عملهم سويا, كما أنها تتضمن بناء علاقات مع الآخرين سليمة وطويلة الأمد والإحتفاظ بها حتى لما بعد الإنفكاك من الخدمة لسببٍ أو لآخر.
كما أن العلاقات الإنسانية في بيئة العمل " والإدارة بضمير " تساعد على التعامل بشكل فعال مع الصراعات بعيداً عن استغلال الآخرين وظلمهم والتلاعب بهم, وتساهم في تحفيز العاملين على بذل جهود تفوق الجهود المطلوبة لتحقيق الأهداف المنشودة، وتجعل محصّلة هذه الجهود كبيرة وفاعلة لأنها جاءت نتيجة للعمل الجماعي، وسيادة روح الفريق، بناءً على الظروف الإيجابية التي تكوّنت بفعل توفر الإشباع الوجداني الذي يقهر كافة النزعات الجامحة للعزف المنفرد في بيئة العمل، بفضل توفر قيادة " إنسانية " جامعة وليست مفرِّقة ... فطوبى لهم.