الطريق إلى القلوب يمر من هنا
عندما تسير بدون خارطة طريق، فإنك قد لا تصل أبدا، وقد تصل متأخرا جدا بعد رحلة طويلة شاقة من التيه والضياع. ربما تكون تسير في الاتجاه المعاكس لمقصدك، فيصير إمعانك في السير إمعانا في البعد عن الهدف المنشود.
قد يظن الحاكم مثلا أن بإمكانه أن يكسب قلوب الشعب بالنار والحديد، ويزين له النفعيون والانتهازيون ذلك، ويخيفونه على سلطانه وهيبته إن فكر مرة في الاقتراب من الشعب بأسلوب لين لطيف. ثم يتيه في غيه حتى يقتنع بأنه استولى على قلوب الناس، وأن شعبه يموت فيه حبا. وحين تأتي لحظة الإفاقة من سكرة الغي يكتشف أن الجميع يطالبونه بالرحيل، لأنه كان جاثما على صدورهم يخنقهم ويمنعهم من التنفس.
وقد يرى الزوج أن بإمكانه كسب قلب زوجته من خلال حرمانها من عاطفة الحب والحنان، أو إعطائها بعضا من هذه العاطفة بالتقطير أو التنقيط، كي تكون في موقف المحتاج إليه دائما.
ثم في موقف عاصف يكتشف مدى ضيقها وتبرمها منه.
وهكذا كل واحد يمكن أن يحدث له موقف مشابه حين لا يمتلك دليلا إرشاديا لكسب المحبة الصادقة.
من هنا تأتي أهمية الحديث عن الطريق إلى كسب القلوب، ومن أين يمر. عندما نتأمل الآية الكريمة (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) سندرك مدى تأثير الأخلاق الرفيعة والمعاملة اللطيفة في هذا الصدد. وحين نطالع النصوص الروائية سنجدها تركز على هذا الأساس المهم في الحصول على محبة الآخرين. ولأن أول ما يستقبل الناس الوجه، لذا نراه يحظى بفيض من الروايات الشريفة التي تجعله وما يتعلق به سببا أساسا في كسب الحب. نذكر منها:
- إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر
- سبب المحبة البشر
- البشاشة حبالة المودة
- بالبشر وبسط الوجه يحسن موقع البذل
- البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من الله عز وجل ، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله.
تعبيرات الوجه الإيجابية ذات مردود كبير في استعمار قلوب الآخرين استعمارا محمودا محبذا لا يرومون عنه خلاصا. يقول الشاعر:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله .... ويخصب عندي والمحل جديبُ
فما الخصب للأضياف أن يكثر القِرى... ولكنما وجه الكريم خصيبُ
وبالطبع فإن تعبيرات الوجه ينبغي أن تعبر عن مضامين داخلية صادقة، وإلا فإنها ستكون مجرد افتعال وتصنع لا تحدث أي أثر، أو تحدث أثرا سطحيا. وقد تطرقت الروايات إلى صفات وأفعال أخرى تفضي إلى المحبة، نذكر منها:
- طلاقة الوجه بالبشر والعطية ، وفعل البر وبذل التحية ، داع إلى محبة البرية.
- ما استجلبت المحبة بمثل السخاء والرفق وحسن الخلق.
- ثلاث يوجبن المحبة : حسن الخلق ، وحسن الرفق ، والتواضع.
- ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة : الإنصاف في المعاشرة ، والمواساة في الشدة والانطواع ، والرجوع إلى قلب سليم.
- ثلاثة تورث المحبة : الدين ، والتواضع ، والبذل.
- ولما سئل رسول الله عما يورث محبة الله من السماء ومحبة الناس من الأرض، قال: ارغب فيما عند الله عز وجل يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس.
هكذا تكون الأخلاق الفاضلة بمدياتها المختلفة الطريق السليم الموصل لقلوب الآخرين. يقول الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ... فطالما استعبد الإحسان إحسانا.
جمعة مباركة.. دمتم بحب.. أحبكم جميعا.