شهوة التمدُّد الوظيفي !!
القليل من الموظفين يعرفون جيداً مهارات التعامل مع رؤسائهم بطريقة متوازنة، لأن البعض تلاحظه مهرولاّ ببلاهة خلف رئيسه، مما قد يتسبّب في ذوبان شخصيته حتى لا يًعُد له كيان، والبعض الآخر لا تلقاه إلاّ ساخطاً على الرئيس، وبين هذا وذاك نادراً ما تصادف من يعي العلاقة الموضوعية التي تربطه برئيسه، ويُدرك خطوط التماس التي تفصل بينهما.
ربما يُخيّل إليك في لحظة ما أنك الأهم وجداناً لدى سعادة المدير، وإنه لن يتمكن من النجاح في إدارته بدون مساندتك، وولائك المُطلق لشخصه الكريم، وإنّ كثرة إسناده للمهام الإستثنائية والعاجلة إلى " عقلك المدبِّر " يجعلك تنام مرتاح البال من أن ينالك ما يكدِّر خاطرك، ويُنغِّص عليك صفاء سريرتك، وهذا ما يجب أن تتنبّه إليه، فمن مأمنه يُؤتى الحذر.
نعم .. يا عزيزي .. لا تعتقد ان اعتماد المدير او الرئيس عليك سيجعله يحبك إلاّ ما ندر, فالصحيح انه يحب فائدتك ويخشى فقدانك, ويستثمر إندفاعك، فانت بالنسبة له كمنبع الماء الذي ندير له ظهورنا بعد ارتواء عطشنا . فلا تسرف في الإتكال على الجانب العاطفي لعلاقتك برئيسك , بل الأجدر بك ان تركز على الجانب العملي منها، وأن تحتاط للظروف التي ربما لا تخطر لك.
أنا هنا لست أشكك في نوايا " الرئيس " بأي حالٍ من الأحوال، أو إنني أحاول من خلال هذه الرؤية أن أدخل الفزع إلى نفسك، أو أن أنال من العلاقة الوثيقة التي تربطك برئيسك، ولكنني أجتهد لأفتح لك فضاءً رؤيوياً لتفكر خارج الصندوق، وتنظر إلى آفاق بعيدة جداً مبادراً إلى تنشيط الدائرة الكهرومغناطيسية لحدسك الذي تخدّر تحت تأثير شهوتك في التمدُّد بإخلاص، فتحوّلتَ إلى كتلة من المنفعة ذات قيمة هامشيّة دون أن تشعر بأنك تسير في الإتجاه الخطأ، وأنا الذي كنت أظنك أكثر فطنة، وأعمق وعياً.
عليك أن تدرك بأنّ الرؤساء ولا سيما في المستويات العليا يحبِّذون الإحتفاظ بمن يمدهم بمخزون وافر من الأداء والإنتاجية، والتفوق القيادي على نظرائهم في بيئة العمل، وإنهم لا يؤمنون بالنجم المُطلق، بل بنجم المرحلة، أي أن لديهم لكل مرحلة نجومها الذين بإمكانهم الإتكاء على مجهودهم المتدفق لتحقيق البريق الإداري المنشود، وهذا ليس عيباً على الإطلاق، ولكن المشكلة تكمن في حالة الزهو الزائف التي تجتاح " جسور العبور " إلى مربّعات الإشعاع، وأنت أحدهم كما أعتقد.
لقد آن الأوان أن تتخلّص من بريق التفويض الذي تستحقه بكل تأكيد، إنما كن على ثقة بأن رئيسك بصفته الإدارية لا يمثل عمقاً استراتيجياً لإدارتك لذاتك، ولا يستحق أن تحمِّله مصيرك، ونتائج نشاطك الإنشطاري في بيئة العمل، حتى لو أنك أحسست بإعتماده على الله ثم عليك، لأنه هو ذاته تتحكم في قُطرِ دائرة نفوذه قوة فوقية ليس في وسعه على الإطلاق إخضاعها لإرادته، بل هو مُلزم لأن يستجيب لأوامرها، وسياستها الإدارية النازلة، ومراعاة مؤشرات جودة السمعة الإدارية التي يحرص عليها كل مسئول ناضج.
من هنا أرجوك أن تتبصّر الحال، وتستشرف المستقبل، وتعيد هندسة ذاتك. لا تكن كثور الساقية، تريّث قليلاً، خفِّف على ذاتك، سارع لإعادة توجيه بوصلة تفكيرك في إدارة نشاطك الذي يشهد له كل من حولك، ولكن لا يجب أن تستحسن " إسلوب الإخطبوط " متجاهلاً مشاعر جميع زملائك تحت أي مبررٍ كان، لأنك بهذا الإندفاع المخلص والجاد .. والغير مدروس ستكون الخاسر الأكبر بإمتياز.