أين المجتمع المدني؟

 

 

 

من المصطلحات التي أصبحت تُتداول كثيرا في المجتمع العربي في الوقت الراهن مصطلح المجتمع المدني. الكل يتحدث عن المجتمع المدني وضرورة تكثيف مؤسساته والعمل على تفعيلها لتطوير الحياة العامة في مختلف جوانبها.

وبما أن المصطلح وافد علينا من الغرب بعد أن مر هناك بتحولات كثيرة على مدى عقود طويلة من الزمن، أي منذ تحول المجتمع الغربي من الإقطاع إلى الرأسمالية، ونشوء العلاقات الاقتصادية الجديدة بين صاحب رأس المال وصاحب قوة العمل في المجتمع الصناعي الحديث، وقيام روابط مستحدثة بين سكان المدن لا تقوم على التضامنيات التقليدية من عشائرية وقبلية وطائفية وجهوية وغيرها.

أقول: بما أن المصطلح وافد علينا وهو محمل بإرثه التاريخي، فإن استخدامنا له منفصلا عن سياقات النشأة التي مر بها يزيد من التباسه وتعقيده؛ شأنه في ذلك شأن الكثير من المفاهيم التي نتداولها اليوم مع تباينات حادة في معانيها عند المستخدمين لها، كالديمقراطية والليبرالية والعلمانية وغيرها. ولكي لا نستغرق كثيرا في تحديد معنى مصطلح المجتمع المدني، سنأخذ بالتعريف الإجرائي الذي تبناه البنك الدولي، والذي أعده عدد من المراكز البحثية الرائدة، حيث "يشير مصطلح المجتمع المدني إلى المجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية ، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري".

لتوضيح هذا التعريف سنستعين بمقال الدكتور صدقة يحيى فاضل في جريدة عكاظ بعنوان: مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي؟. في المقال المذكور يذكر بأن "الدولة الحديثة تكون – في الغالب – عبارة عن «مؤسسات» مختلفة. وتنقسم هذه المؤسسات (من الناحية السياسية) إلى ثلاثة أنواع، هي:

1– المؤسسات الرسمية (الحكومية) : ويتصدرها أجهزة السلطات الحكومية الثلاث، التشريع (البرلمان)، والتنفيذ (مجلس الوزراء) والقضاء (المحكمة العليا) وكل ما يتبع هذه المؤسسات من دوائر وهيئات.

2- المؤسسات السياسية غير الرسمية (غير الحكومية) : وتنحصر في : الأحزاب السياسية، بأنواعها واتجاهاتها المختلفة، وجماعات الضغط (المصالح) التي تسعى – لدى الحكومة – لخدمة مصالح معينة. ويندرج ضمن هذه الجماعات أي مؤسسة تمثل «الرأي العام» – كلياً أو جزئياً.

3- مؤسسات «المجتمع المدني» : أو المؤسسات الشعبية، وهي : الجمعيات والمؤسسات التي تنشأ – بمبادرات شعبية – لتقديم خدمة معينة للمنتمين إليها، ولا يكون هدفها الربح المادي... مثل : الجمعيات العلمية، والمهنية، والجمعيات الخيرية، ومؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان... إلخ. "

ونظرا للحساسية المفرطة عند البعض من المصطلحات الغربية، فإنه يفضل استخدام المجتمع الأهلي كبديل محلي. ليست هذه مشكلة، إذ كما يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح. ولكن المشكلة تكون عندما يتم تجريد المصطلح الأساس من دلالاته الحقيقية ليتم تفصيل المصطلح المخترع البديل وفقا لمقاسات معينة تُفرغ المصطلح الأصلي من مضامينه.

فالمجتمع المدني لا ينشأ إلا في ظل افتراضات معينة، منها الاستقلالية الفردية لإنسان مؤسسة المجتمع المدني، واستقلالية المؤسسة ذاتها عن أجهزة الدولة، وكلاهما أمران عسيران في مجتمعنا العربي إلا ما ندر. وهذا ما يجعل كثيرا من مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية جزءا منتميا للسلطة بشكل أو بآخر، مما يضعف دورها، أو يحرفه عن مساره الصحيح.

شاعر وأديب