بين القانون وبين اجتهاداتهم الشخصية

عجائب تسجيل الطلاب المستجدين في مدارسنا لا تنتهي، وطبعاً لأنها لا تنتهي فذلك سيشعرك بأن الأمور طبيعية تماماً، فتلك العجائب تنسجم تماماً مع واقعنا ومع ما نعيشه من فوضى فوق أرض ذلك الواقع وفي جميع نواحي الحياة.

في إحدى المدارس المحلية الحكومية، هناك مملكة خاصة بمديرة المدرسة. ولتلك المديرة كلمتها المسموعة كملكة مدللة لتلك المملكة. فلها الحق الكامل في أن تصدر ما تشاء من فرمونات وفرمانات وقرارات وأوامر وقوانين خاصة تحكم بها مملكتها. وتبدوا تلك القوانين أحياناً أعلى من قرارات الدولة ووزاراتها، لنفاذها وعدم القدرة على تجاوزها. بل ربما كانت معطلة أحياناً للإجراءات النظامية ولقرارات الدولة. وفي أحسن الحالات فهي مكملة أقلاً لقوانين وشروط الدولة ووزاراتها، ومصلحة لنواقصها وعيوبها!!!!.

وشاهدنا هنا، هو أنه في حفلة التسجيل الأخيرة للطلاب والطالبات في المدارس، فإحدى الأمهات جاءت لتلك المدرسة تحديداً لتسجل إبنتها فيها، ولأنها استوفت جميع الشروط المقررة، التي يجب أن تستوفيها أية أسرة حسب قوانين الدولة وأنظمة وزارة التربية لتسجيل أبنائهم الطلبة للدراسة كما هو مدون في برنامج وموقع نور، مضافاً لها بعض الشروط الخاصة التي تفرضها المدرسة من عندها، فلم يكن هناك عذر ولا حل منقذ بالنسبة لمديرة المدرسة وزميلاتها في تلك المدرسة، لرفض قبول تلك الطالبة المستجدة المشكوك في أمرها كغيرها، إلا أن تضيف المدرسة من عندها ودون أخذ أي إذن مسبق من وزارة التربية، شرطاً (استجوابياً) خاصاً بالمدرسة، يؤكد صحة المستندات الأخرى المرفقة، ومن الطبيعي أن لا تجد هذا الشرط طبعاً في مدارس أخرى كثيرة في المملكة، ما لم ينتشر بفعل العدوى، وهو هنا شرط "الحلف" أي "القسم المقدس"، على صحة ما جاء في المستندات من أن الأسرة تلك من سكان نفس ذلك الحي الذي توجد فيه المدرسة!!!!. وأنا أقترح هنا، أن تحضر مديرة تلك المدرسة، بصفتها هنا جهة تشريعية وتنفيذية في الآن نفسه معاً: مصحفاً، وأن تعمل لها بروتوكولاً وحفلاً خاصاً، لذلك "القسم التربوي المقدس".

وفي زاوية أخرى، في مدرسة أخرى مجاورة، إضطر أحد الآباء، لمرافقة معلم من كادر تلك المملكة المجاورة في جولة تفتيش ذهاباً إلى المنزل، ليثبت ولي الأمر هذا - المغلوب على أمره - لإدارة المدرسة وبالدليل القاطع، أنه من سكان نفس ذلك الحي، الذي توجد فيه نفس تلك المدرسة، وأنه لم يلفق ما أحضر من مستندات وأوراق ثبوتية كانت في حوزته وقدمت للإدارة. رغم أن تلك الشروط والأوراق والمستندات، لم ترد بتاتاً في شروط وزارة التربية، وفق ما هو معلن.

ومن قمة المهازل هنا، أن يبالغ المعلم وإدارة المدرسة فيما يطلب من ولي الأمر مما لم تشترطه الوزارة ولا حتى أيضا المدرسة أو المملكة المجاورة سابقة الذكر هنا بتاتاً. فقد طلب من ولي الأمر فتح باب المنزل والشقة دون فسح رسمي مسبق ... ولولا رحمة الله تعالى لتطور الإجتهاد الشخصي هنا في عمليات التحري والإستجواب والتفتيش المبني على الأهواء والقرارات والتوجهات الشخصية البعيدة عن القانون، لطلب هؤلاء من ولي الأمر أيضاً نومه على سرير الزوجية، ليثبت لهم بالدليل القاطع الذي لا ريب فيه، أنه من سكان ذلك الحي بشكلٍ قاطع لا ريب فيه، ليقتنع مدير تلك المدرسة وكادرها الإداري، أنهم لم يقعوا في الفخ الذي ينصبه بعض أولياء أمور الطلاب في بحثهم عن مدارس متميزة أو مناسبة أو أقلاً أحياناً غير متهالكة أو مستأجرة قد تكون هي الهموم والكوابيس الوحيدة الموجودة في أحيائهم. وليقنع هؤلاء بأنهم قد قاموا بالمطلوب، ونفذوا أوامر الوزارة التي لم تذكر. وطبعاً كلها اجتهادات شخصية وباعترافات كادر المدرسة نفسها، وليست خاضعة لنص ولا قانون ولا توجيهات رسمية من الوزارة ولا مسؤوليها ولا أجهزتها، وهذا هو العيب ولب الخلل هنا. فلله درها من فوضى وعبثية لا منهجية نعيشها، فتجعلنا نعيش بعيداً عن التنظيم والقانون والمحاسبة والمساءلة المنظمة والممنهجة.

وأنا هنا شخصياً كطرف ثالث، واجهت بعض تلك العقبات والمشاكل الناتجة عن تلك الإجتهادات الشخصية، وما يترتب على ترك الأمور على عواهنها للمدراء والمديرات في تنظيم عمليات التسجيل وفق اجتهاداتهم الشخصية، رغم أني لم أذهب بعيداً عن مدرسة الحي الذي نسكن فيه، وهي أيضاً المدرسة التي تدرس فيها ابنتي الكبرى. ليثبت الواقع مجدداً أن المشاكل والإشكالات حاضرة دائماً حتى هنا، عندما تكون من نفس الحي ومستوفي لكل الشروط المحتملة، وعندما يكون أبناؤك الأكبر سناً موجودين أيضاً في نفس المدرسة.

فالتسجيل في مدرسة الحي التي توجهت لها يتم بآلية توزيع تسعة أرقام يومياً فقط، لتفادي زحام مراجعي المدرسة ربما - رغم أن بعض المدارس تتجاوز تلك المشكلة ببساطة، بأن ترسل رسائل نصية على الجوال لكل من سجل إبنه في المدرسة عبر برنامج نور، فتحديد موعد للتسجيل والمقابلة -. ولا توزع تلك الأرقام في مدرسة الحي إلا في الساعة السابعة إلا ربع صباحاً. وبصفتي معلماً في مدرسة أخرى، تبعد نصف ساعة أو أكثر عن تلك المدرسة والحي الذي أسكن فيه، وبسبب بداية الدوام في الساعة السابعة بالنسبة لي كمعلم، فقد كنت في مأزق صعب جداً أمام قرار هذه المدرسة، وأمام التزاماتي الوظيفية والأسرية. فماذا لو لم أفلح في كل يوم في أن أكون أحد سعداء الحظ في الحصول على رقم من أرقام الحظ تلك، رغم التأخير الذي سأضطر له يومياً عن مقر عملي؟!!!!. طبعاً إنها عقدة بحاجة لحلٍ سحري، وليس لأي حلٍ طبيعي طبعاً.

لكن، فالحمد لله أنني قد تأخرت عن التسجيل مدة أسبوع. ثم اكتشفت بعد "الزحمة"، أن هذا النظام العبقري قد ألغي وعدل بشكلٍ سحري، بعد الصعوبات التي واجهتها المدرسة ربما، وربما الشكايات و "الهوشات" التي ربما تكون قد ثارت أمام المدرسة مع الحارس المسكين، بسبب تواجد ما يفوق الخمسين حالة طلب تسجيل في اليوم الواحد، بحسب ما سمعته من حارس المدرسة، وقد رفعت الأرقام من يد الحارس وعدل النظام، والحمد لله أن توقيت مراجعتي قد جاء متأخراً بعد أن: "خفت الزحمة".

طبعاً، بعد أن حضرت مبكراً في الساعة الخامسة والنصف من صباح أحد الأيام، تفاجأ حارس المدرسة بأنني قد حضرت قبل خروجه هو نفسه من غرفته، وقبل فتح أبواب المدرسة. لكن وللأسف، فالأرقام التي سابقت من أجلها، لم تكن موجودة لدى الحارس في حينه، ومع ذلك فلم تكن أيضاً قد ألغيت تماماً لنتخلص من همها. فهي لازالت توزع لكن داخل أسوار المدرسة، من قبل معلمات المدرسة على من تحضر باكراً من الأمهات. فرتبت أموري بسرعة البرق الخاطف، وفق النظام الجديد، ونجوت من عقبة الدور بأعجوبة، لأقع هنا مجدداً في ظل هذه الفوضى الخلاقة، أمام عقبة الشروط الأخرى، التي لم أستطع توفيرها في نفس اليوم والوقت الذي ذهبت فيه لأول مراجعة. والشروط المطلوبة هي: صك الأرض، جواز السفر، فاتورة، عقد إيجار، وكلمة السر واسم المستخدم في برنامج نور، ونسخ مطبوعة من بيانات التسجيل كاملة من موقع نور، مع إكمال كامل البيانات حتى غير الشرطية في برنامج نور ... الخ، بالإضافة للشروط التي طلبتها الوزارة وفق ما ورد في الموقع. وفوق هذا الهم فللكشف الطبي في مراكز الرعاية الصحية في الأحياء خصوصاً لمن كان منحوساً، قصص وسيناريوهات أخرى متنوعة يمكن للآباء سردها. فأتعاننا وأعانكم الله جميعاً على تنوع الإجتهادات والفوضى، وعدم بلورة آليات ولا قوانين حاسمة وواضحة ... يا من ستسجلون أبناءكم.

وكل شخص هنا يجتهد طبعاً ويضع قوانينه الخاصة بمملكته، بشكل عبيط وعشوائي. وما العيب هنا في ذلك، وهنا قد يشعر المدير أو المديرة بعد الإنتفاخ الناتج من التفرد، بأنها أو أنه صاحب القرار واللاعب الحر في هذا الميدان وحده، حتى لو تجاوز النظام والقانون كله، أو أصبح بمزاجه هو الوصي على القوانين والآمر الناهي في المدينة الفاضلة أو الحي المثالي. ولا تلوموا الأفراد هنا، بل لوموا الوزارة على تركها الحبل على الغارب هكذا.

طبعاً للأسف، لم يفهم بعض هؤلاء أصحاب الكراسي الصغيرة، أنهم مجرد أدوات تنفيذية، وأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين وفي زمن دولة القانون والنظام والمؤسسات. فدوائرهم بالطبع ليست مؤسسات عائلية ولا خيم لزعماء القبائل ولا مزارع شخصية، ليجوز أن تديرها المديرة أو يديرها المدير أو غيره هكذا، بالأهواء والنزوات، وفق تلك الإجتهادات الشخصية، التي تتجاوز دور الوزارة وقوانينها وأنظمتها. وإن كنا هنا نعذرهم ونقدر ما يواجهونه من محن وصعوبات، لكن الجهة المسؤولة هنا، والتي يجب أن تتحمل مسؤولياتها كاملة عن أي خلل في أنظمة وقوانين وآليات التسجيل دون وصاية من أحد أو تبرع منه باجتهادات شخصية خاصة، هي بالطبع الوزارة لا غيرها.

لكن، ما أكثر تلك العشوائية والعبثية في مؤسساتنا ودوائرنا الحكومية. فلكل قاضٍ مملكة، ولكل مدير مملكة، ولكل معلم مملكة ... الخ. وهي العبثية المنتشرة في أحشائنا جميعاً، والتي لا تجعل وزارة التربية هنا حالة استثنائية.

ففكونا وخففوا عنا أقلاً أنتم يا وزارة التربية رجاءً، من باب الرحمة وتقليل تلك الفوضى السائدة والمنتشرة، ودونوا كل تلك الإجتهادات الشخصية العجيبة في قوانين وزارتكم العريقة لو تكرمتم، وخلونا ننام بعيداً عن بلوى تلك التخبطات، والكل سيكون حينها سعيداً ومرتاحاً وشاكراً، حتى لو طلب منه بشكل قانوني احضار لبن العصفور. لأنه سيكون حينها قد عرف المطلوب منه تماماً، وقد فهم ما هو المشروع وغير المشروع وفق النظام والقانون في ساحتكم التربوية. وسنتمكن بسهولة حينها من مناقشة الخلل وتوجيه أصابع الإتهام إن كان هناك أيٌ منها ... والسلام.