ثورة الامام الحسين عليه السلام آفاق ورؤى
هل نحن نبالغ أو نتكلف عندما نصف نهضة الامام الحسين بالمشروع, أليس من مرتكزات المشروع هي صفة الاستدامة والقابلية للتطبيق، وصفة المنهجية العلمية وصفات أخرى لامجال لذكرها فإذا دققنا في جوهر تلك الثورة العظيمة لرأينا تجسد تلك المرتكزات في ثورته فلنأخذ مثلا الصفة الأولى وهي الاستدامة : فنقول مرت على هذه النهضة المباركة أربعة عشر قرنا وكلما تقدم بها الزمن إزدادت طراوةوتألقا وإشراقا،إذ حيرت الباحثين والمفكرين والفلاسفة حينما يدرسونها، فمعركة لم تستغرق نصف نهار وتترك كل هذه الآثار والأبعاد والتجليات بل تغير مجرى التاريخ وترسي لقيم ومفاهيم ومثل يتزود منها الثوار والاحرار والمصلحين في كل عصر .
أما فيما يخص القابلية للتطبيق فلنراجع معالم هذه الثورة لنرى مبادءها وقيمها ومثلها إذ تمثلت على رفض الظلم والظالمين،ولعمري فهذا مبدأ أصيل إنساني لايختلف عليه إثنين تتوق له الأفراد والمجتمعات والشعوب التواقة للحرية والعدالة،كما أنتفاني وإخلاص وذوبان عميد هذه الثورة في ذات الله زادها زخما ورصانة ورسوخا في أعماق النفوس .
وفيما يتعلق بالمنهجية والعلمية فهنا لنا وقفة مع الذين يشلون حركة الثورة وينفون عنها العامل البشري ويكتفون بأن ثورة الإمام الحسينعليه السلام هي تدبير سماوي رباني ولادخل للتخطيط البشري والانساني في رسم معالمها، ينسون أن الإمام الحسين عليه السلام مفكر عبقري استراتيجي من الطراز الأول بدء من اختياره لمكان وزمان المعركة، وانتهاء باصطحابه لأسرته والتي تعرضت للسبي بعد استشهاده والتي حملت وأوصلت رسالة الحسين الاعلامية وفضح الزيف الأموي.
إن الامام الحسين عليه السلام استخدم سلاح الاعلام بذكاء شديد تمثل بتحركه من المدينة المنورة الى مكة المكرمة وكان موسم حج حيث الالاف يجتمعون من جميع انحاء العالم الاسلامي في تلك البقعة المباركة حينئذ بشر بدعوته الاصلاحية وبين مقصده من الثورة وعليه نورد الآتي:-
1-لاتراكم المجتمعات البشرية خبراتها في المجال الحسي المادي والتكنولوجي فحسب بل ان الخبرة الانسانيةتتراكم أيضا في الجانب المعنوي والروحي لذا أبدعت البشرية في مجال العلاقات الانسانية والاجتماعية وخير دليل تخلص كثير من الشعوب من الاستبداد والديكتاتوريات،وأنشأت المنظمات والهيئات التي تعنى بحقوق الانسان والمجتمعات والاقليات وإذا أمعنا النظر في تلك المواثيق والعهود والدساتير والتي أنشأت بعد أحداث وحروب كبرى فمثلا عصبة الأمم أنشأت بعد الحرب العالمية الأولى و أسست هيئة الأمم المتحدة بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية وعلى الرغم من الشوائب والعيوب التي تلحق بمواثيقها وأنظمتها ولوائحها إلا إنها ساعدت كثير من الشعوب في التخلص من الاستعمار الأجنبي.
2- ثورة الامام الحسين عليه السلام ونهضته هي قيمة في حد ذاتها كما أن قيمتها فيما أفرزتها تلك الثورة والنهضة من تموجات ونتائج غيرت مسار التاريخ بحيث أسست قواعد ينهل منها الثوار على المستبدين والطغاة وهذا المنهج جرأ المجتمعات والشعوب على المطالبة بحقوقه وخلق حالة عبر التاريخ لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
3- أسس الامام الحسين عليه السلام منهج يستطيع كل عاقل أن يتمعن فيه وهو التفريق بين الحكمة والبطولة والشجاعة وآخر بين التهور وعدم التعقل، فإلصاق تهمة التهور بالإمام الحسين عليه السلام هي تهمة أموية،ولاتزال تلاحقه حتى في زمننا وذلك لتشويه نقاء ونبل وطهارة تلك الثورة،وأيضا للتشويش وخلق فكر مضاد للثورة لئلا يكون الحسين منارا يستضاء به.
4- وعندما نتكلم عن مفهوم العطاء في النهضة الحسينية لانقصد به فقط العطاء المتصل بعالم الماديات، على الرغم من أهميته فالتبرع المالي والاطعام والاوقاف جميعها ممدوحة ومطلوبة، إلا أن هناك أوجه أخرى للعطاء يجب تفعيلها واستثمارها وهو عطاء القيم والمثل والمبادئ وكيف أن نحولها إلى واقع محسوس يتلمسه القريب والبعيد وذلك عبر سلوك إعلامي واجتماعي وثقافي وفكري.
5-إن الملاحظ عندما نتوجه إلى الله من خلال توسلنا بالحسين عليه السلام نركز على مطالب قصيرة الأمد في غالبها تتعلق بأمور شخصية كالتوسعة في الرزق وإطالة في العمر وشفاء من الامراض وهنا لااعتراض،بل في بعض الاحيان يكون ممدوحا أن يدعو المرء لنفسه أو أهله إلا إن الامام الحسين عليه السلام أشمل وأعم أن يختزل في دعاء بسيط بل هو كنز يجب استثماره على كافة الصعد ليسللمسلمين الشيعة أو السنة فحسب بل للبشرية جمعاء.
6- ألم نفكر أن تكوننهضة الامام الحسين عليه السلام مشروعا استراتيجيا يتمدد في كل مفاصل الحياة بكل تفصيلاتها وتفريعاتها فكيف نأصل لمبدأ الاستفادة من هذه الاستراتيجية ونجعلها في مناهجنا وفي إعلامنا وفي إقتصادنا وأخلاقنا ووو...
قال الامام الصادق عليه السلام " إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة " ختاما نبارك للأمام المهدي "عج " والأمة الأسلامية ولادة السبط الثاني الشهيد الإمام الحسين عليه السلام ويرزقنا في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته.
