نجاحك في جِراحك يا صاحبي
إنني أدعوك مُخلصاً إلى أن تنظر لسلوك الأطفال من حولك وأن تتعلّم من تصرفاتهم، ولا تنسى وأنت تراقب إصراراهم الضاري على الحركة بأنك كنت واحداً منهم، فلقد كنت تثير إعجاب والديك وسرورهم وكافة أفراد عائلتك، وتشجيعهم المستمر إليك، وإستمتاعهم بعنادك، وذلك كلما سقطت أرضاً متألماً، ونهضت من جديد سواءً منفرداً، أو بمساندتهم البسيطة إليك، ومضيت قُدُماً حيث تريد، بل تذكّر جيداً كيف كنت تنتقل من تحقيق هدفٍ لآخر بإصرارٍ منقطع النظير.
تصوّر معي لو أنّ الطفل توقف عن الحركة بإصرار، وتخوّف من التعرض للألم من أثر سقوطه مرة أخرى، هل كان سيستطيع من إجادة المشي بإستقامة بالغة بعد أن كان يمشي متأرجحاً؟ وهل كان سيتمكن من حيازة مهارة التعامل مع آلام السقوط لو أنه لم يتعرض له مرات ومرات؟ وهل كان للطفل أن يتفادي الخبرات السلبية إذا لم يتعرض لها لا من بعيد ولا من قريب؟ وهل كان بإمكانه أيضاً إنجاز مهمة المشي بنجاح لو لم تكن في عقله صورة ذهنية عن الكبار الذين هم من حوله للتشبه بهم في مشواره الصلب؟
كذلك هي دروس الحياة المتلاحقة تُعلن لنا بشكلٍ صارخ بأنّ البلاء هو طريق القوة، وإنّ خسارة جولة ما في كفاحنا مع الحياة ليس معناه خسارتنا للمعركة، وإنّه لا يوجد فشل إنما هناك نتائج، وإنّ الخسارة في أي مجالٍ كان إنما تمنحنا الدروس الخصوصية لأخذ العبرة والحيطة وعدم تكرار التجربة بنفس الصيغة السابقة، وإننا بدون مواجهة مشاكل وصعوبات في الحياة نصبح بلا خبرة حياتية، بل يحيلنا ذلك إلى أناسٍ ضعافٍ معرضين للسقوط لأتفه الأسباب.
إنّ الدرس الذي يجب أن نمارسه في كافة ميادين الحياة هو أنه لا يصح لنا ونحن ننعم بنعمة العقل والوعي أن نخشى مما لا يخشاهُ الأطفال، فإياك يا عزيزي أن تخشى السقوط مهما كان عنيفاً لأنّ فيه بذرة النهوض، وإن تصادف وإن سقطت سواءً في حياتك الخاصة، أو المهنية، أو الإجتماعية، أو المالية، أو خلافه فلا تيأس، بل إنهض كما ينهض الصغار بعزيمة وإصرار مهما سخر منك الآخرون، وانفرجت أساريرهم. حاول ثم حاول دون مللٍ أو كلل حتى تنجح فإنّ لك في تجارب هؤلاء الأطفال الصغار من حولك قدوة حسنة لا تنتهي من ذهنك، ولن تتبخر من مخيّلتك ما دمت على قيد الحياة.
إنني أعلمُ جيداً بأنّك ربما تُعاني مِن وجود مَن يحاول تعميق مأساة سقوطك، بل ويقوم ببيعك - بإسم الحب - تجاربه الفاشلة لئلا تنهض من جديد، ويبادر إلى تسويق أفكاره البالية أمامك حتى تنشغل عن الخروج من المأزق الذي أنت فيه، وهنا يجب عليك الحذر في البوح لمن لا تثق بمودته الخالصة إليك، أو تشعر بأنه من المتشائمين في الحياة. عليك أن تثق في قدراتك وإن كلّفك ذلك إستغراق بعض الوقت للوصول إلى ما تصبو إليه، لأن في تحررك من التأثير السلبي للآخرين عليك، المفتاح السحري لنجاحك في النهوض من كبوتك بعزيمة وثبات كما الأطفال المثابرين، وأنا أثق يقيناّ في عزيمتك التي لا تُقهر .