اليابانيون وصناعة النجاح (2)
الاستثمار في الإنسان هو الركيزة الأساس في البناء الاقتصادي والاجتماعي في اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو سر نجاح اليابان في الوصول إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى.
لم ينتظر اليابانيون أن تمطر السماء عليهم ذهبا، أو تخرج الأرض لهم نفطا أو معادن نفيسة، فهم يعرفون أرضهم وسماءهم جيدا. ولكنهم يدركون أيضا أن لديهم ما هو أغلى من كل ذلك، وهو الإنسان الذي يحقق الاستثمار فيه أعلى العائدات.
فاختصر اليابانيون الطريق وركزوا على الإنسان وتعليمه وتدريبه ليكون الفرد الياباني منجم ذهب متنقل من خلال إنتاجه النوعي الوفير.
من التعليم بدأ اليابانيون قصة نجاحهم، إذ أصبح الأولوية الأولى في البلاد، وتم تحديد الأهداف الكبرى للعملية التعليمية وتتلخص في إثراء العقل، وتوسيع نطاق الاستقلالية لدى الطالب، وتنمية مشاعر احترام الحياة البشرية وكرامة الإنسان، وتنمية روح المشاركة مع المجموعة، والاعتراف بمزايا الآخرين ونكران الذات.
كما تم وضع الخطط العملية لترجمة تلك الأهداف على أرض الواقع. فاليابانيون لا يضعون خططهم في الأدراج انتظارا لعفريت مصباح علاء الدين أن يحققها لهم. ولذا استطاعوا في سنوات قليلة أن يصنعوا معجزتهم بأيديهم، وأن يجعلوا اليابان في المرتبة العالمية الثالثة اقتصاديا بعد الولايات المتحدة والصين، متفوقة على الدول الأوروبية. في العام 1995 صادقت اليابان على قانون العلم والتكنولوجيا كعمود فقري لسياساتها الهادفة إلى أن تكون اليابان في الكوكبة الأولى لسباق التفوق العلمي في القرن الحادي والعشرين.
وفي نهاية 2008 احتلت تويوتا اليابانية المرتبة الأولى عالميا في سوق السيارات متفوقة على شركة جنرال موتورز الأمريكية. و تقول الأرقام إن اليابان دخلت القرن الحادي والعشرين بجيش من العلماء قوامه 73000 باحث علمي في حقول التطوير ومشاريع المستقبل، وأنها ترصد واحدة من أعلى الميزانيات للبحث العلمي بواقع 3,6% من الناتج الداخلي الخام متقدمة على الولايات المتحدة.
التعليم في اليابان لا يقوم كما هو الحال في كثير من دول العالم الثالث على التلقين والحفظ، وعلى علاقة مضطربة مع المحيط الخارجي، وعلى عداوة مستحكمة بين الطالب والكتاب والمدرسة وربما المعلم أيضا. المدرسة في اليابان معمل كبير يكتسب فيه الفرد القيم الحياتية الجميلة بالإضافة للمعرفة العلمية والمهارة العملية.
في موقع السفارة السعودية في اليابان على الانترنت ملخص وافٍ لأهم ملامح وخصائص نظام التعليم هناك، فهو يذكر مثلا أنه لا يوجد في المدارس اليابانية حارس أو فراش، إذ يقوم التلميذ نفسه عند نهاية اليوم الدراسي بكنس وتنظيف القاعات الدراسية بل وكنس ومسح الممرات بقطع قماش مبللة. بل والأكثر من ذلك غسل دورات المياه وجمع أوراق الشجر المتساقط في فناء المدرسة وكذلك القمامة إذا وجدت. فالنظام الياباني للتعليم يركز على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى التلاميذ والطلاب تجاه المجتمع بادئًا بالبيئة المدرسية المحيطة بهم، مثل المحافظة على المباني الدراسية والأدوات التعليمية والأثاث المدرسي وغير ذلك.
وهذا السلوك ينتقل لاحقا لبيئة العمل حيث يبدأ الصباح بتنظيف المكاتب وورش التصنيع بمشاركة الجميع دون استثناء.
وتأكيدا على قيمة الاعتماد على الذات والعمل ضمن فريق واحد، فإن المدارس اليابانية تخلو من المقاصف، ولكن يوجد مطبخ به أستاذة تغذية وعدد من الطاهيات حيث يتناول التلاميذ وجبات مطهية طازجة تُطهى يوميًا بالمدرسة. ويقوم التلاميذ بتقسيم أنفسهم إلى مجموعات إحداها تقوم بتهيئة القاعة الدراسية لتناول الطعام، وثانية مثلاً تقوم بإحضار الطعام من المطبخ، وثالثة تقوم بتوزيع هذا الطعام على التلاميذ.
من القيم الأخرى التي يركز عليها النظام التعليمي في اليابان هي قيمة الجد والمثابرة. ومن المقولات المشهورة عندهم ما معناها أن أربع ساعات نوم تعني النجاح بينما خمس ساعات نوم تعني الرسوب، فالنجاح والتفوق لا يتحددان باختلاف الموهبة والذكاء ولكن بالاختلاف في بذل الجهد.
الحديث عن التعليم في اليابان وخصائصه طويل، وملخص رسالته يقول: استثمروا في الإنسان تتقدموا، وتجاهلوه تندموا.