مجتمع يتنفس حبا
يحفل العالم اليوم بالعديد من المنظمات التي تعنى بنظافة البيئة وخلوها من الملوثات المختلفة.
وهذا أمر محمود ومطلوب، خصوصا في ظل ما تتعرض له البيئة من تدمير، وما يتركه ذلك من آثار خطيرة على صحة الإنسان.
قبل عدة سنين ما كنا نسمع عن ثقب الأوزون وأهميته والخطر الداهم الذي يمكن أن يحدثه المزيد من اتساعه، واليوم أصبح هذا الثقب مالئ الدنيا وشاغل الناس، أما علماء البيئة فإنهم يراقبون الثقب منذ عقود لأن الأوزون في الغلاف الجوي العلوي يحمي الحياة على الأرض من الأشعة فوق البنفسجية للشمس. بالمناسبة، قد يتبادر للذهن أنه مجرد ثقب بسيط، لكنه ليس كذلك، إذ يبلغ متوسط مساحة الثقب منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي 22,5 مليون كلم مربع.
في 1992 عقدت قمة الأرض الأولى في ريو دي جانيرو في البرازيل، وخرجت باتفاقية كيوتو الشهيرة بشأن التغيرات المناخية، والحد من انبعاث الغازات الحرارية. وبعد قمة الأرض الثالثة التي عقدت بعد عشرين عاما من الأولى صار الحديث عن الاقتصاد الأخضر والحد من التصحر والمحافظة على المياه والمساحات الخضراء مرتبطا بالتنمية المستدامة.
حديثنا ليس حول ثقب الأوزون الطبيعي وتصحر البيئة، برغم ما نعانيه من هذا الأمر المرير، حيث تصحرت واحتنا، ومورست بحق البحر أسوأ عمليات الوأد، في الوقت الذي يتواصل فيه إطلاق الملوثات من معامل البتروكيماويات والنفط حولنا. وقد تحدثنا عن ذلك سابقا.
حديثنا عن أمر آخر لا يقل خطورة، وهو اتساع ثقب الأوزون الاجتماعي. ونعني به ما قد يعانيه مجتمعنا من أمراض خطيرة تفتك بصحته، وتحتاج إلى علماء بيئة إنسانية نفسيين واجتماعيين وغيرهم لمراقبة التغيرات المناخية الاجتماعية، ووضع الخطط الكفيلة بإنقاذ المجتمع وحمايته.
فليس من الصحيح أن نغض الطرف عن الظواهر الجديدة الوافدة على مجتمعنا من انتشار المخدرات، وحالات الانتحار، وجرائم السطو المسلح، والعنف الأسري والاجتماعي، والعلاقات المحرمة، وتفكك الروابط العائلية، وتفشي الأمراض النفسية، وغيرها. هذه الظواهر لا يمكن علاجها بالخطاب الوعظي فقط برغم أهميته، إذ لا بد من دراستها دراسة علمية مستوفية، ومعرفة حجمها ومسبباتها وآثارها قبل كتابة وصفة الدواء.
الجيل الجديد هو جيل منفتح على العالم بلا حدود أو ضوابط تقريبا بسبب الإمكانيات الهائلة لتقنيات التواصل الحديثة. وهو جيل يحتاج إلى لغة جديدة في التخاطب معه تستطيع استيعابه من خلال برامج متنوعة يعدها مختصون ماهرون. وهذا ما يلقي بالمسؤولية على المؤسسات الاجتماعية المختلفة المتمثلة في الجمعيات والنوادي والهيئات وسائر التشكيلات الرسمية وغير الرسمية العاملة في الحقل الاجتماعي كي تتعاون فيما بينها لاستقطاب الكفاءات وتطوير منتجاتها.
لماذا لا نشهد مؤتمرا موحدا للقائمين على الأنشطة الاجتماعية أو الدورات الصيفية مثلا في مجتمعنا لتبادل الخبرات وتداول الأفكار؟
لماذا تنشغل بعض المؤسسات الاجتماعية ببعضها عن رسالتها الحقيقية؟
لماذا يظل عدد العاملين في الحقل الاجتماعي محدودا جدا ودون المطلوب؟
لماذا هذه الندرة التي تصل إلى حد العدم في مراكز الدراسات الاجتماعية لدينا؟
لا أريد أن أستغرق في الأسئلة المقلقة، ولا أريد أن أرسم صورة سوداوية قاتمة، فأنا من المؤمنين بقدرة القائمين على العمل الاجتماعي على صنع مستقبل أفضل من خلال تكاتفهم وتآزرهم وتعاضدهم، حتى نصل إلى ما نطمح إليه جميعا من التحول إلى مجتمع أخضر يتنفس حبا.
دمتم بحب .. جمعة مباركة .. أحبكم جميعا.