الريس وتجاوزات الدور الصحفي


كتب رئيس تحرير صحيفة الحياة السعودية سعود الريس مقال بعنوان: (من الشرق إلى الغرب الماضي( و تناول في مقالته الأحداث الأخيرة  في بلدة العوامية حيث تعرض وفد دبلوماسي ألماني إلى هجوم مسلح أسفر عن حرق سيارتهم بالكامل، وتم بعد ذلك إنقاذهم من قِبَل أحد أفراد بلدة العوامية مساء يوم الأربعاء الماضي.

من الأعراف الصحفية أن يكون لرئيس تحرير أي صحيفة مساحة يُعَبّر فيها عن رؤيته عن الأحداث وفق المعلومات  التي تتوفر له، ولا يعد كتابة المقالات الصحفية تناقض في دوره الوظيفي، بل يعتبر أمر بالغ الأهمية خصوصاً حينما يكون هناك حدثا استثنائياً.

في هذه المقالة أُسَلّط الضوء على التجاوزات الصحفية التي وقع فيها الريس و التي جعلته يتماهى مع دور المحقق أحيانا، وأحيانا أخرى دور الناطق الإعلامي للسلطات الرسمية، من خلال تحليل خطاب المقال، و للقارئ إدراك موقع التجاوز.

يبدي الريس انزعاجاً جرَّاء تصريح نائب السفير الألماني ميخائيل أونماخت و الذي تميز بلغة دبلوماسية هادئة حيث وصف  حادث الاعتداء على الوفد الدبلوماسي في بلدة العوامية على أنه "عرضي" و أنه "لم يكن يستهدف الدبلوماسيين الألمان بشكل خاص" ريثما تتضح التحقيقات الأمنية السعودية كما جاء في صحيفة الحياة السعودية يوم الأربعاء ١٥ يناير ٢٠١٤.

يقول الريس أن "بلدة العوامية تشهد نشاطاً ملحوظاً لعصابات مسلحة لإشاعة الفوضى، وتعمل وفق أجندة ليست خافية على أحد، وتهدف أيضا إلى زعزعة الاستقرار". في البدء سوف أقوم بترجمة المعنى الذي يُشير إليه بين السطور، ومن ثم سوف أعرض التجاوزات الصحفية مستدلاً ببعض الشواهد والمبادئ والمواثيق الصحفية العربية.

يعلم جيداً أهالي المجتمع القطيفي حقيقة بروز ظاهرة العنف والجريمة المنظمة وكانت لهم محاولات كثيرة لتسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة والتي تؤرق المجتمع القطيفي والذي كان يعتبر من المجتمعات المتميزة في الأمن الاجتماعي مقارنة ببقايا مناطق البلاد. و أشير هنا إلى تنفيذ شركة قيثارة للإنتاج و التوزيع الفني بالتعاون مع مجموعة قطيف فريندز في حملة بادر، أيضا أؤكد أن هناك من بادر عملياً من أجل إيقاف العنف و سقط قتيلاً - ( الراحل شكري آل رضوان رحمه الله ) - من أهالي إم الحمام، بالتالي لا ينبغي حصر ظاهرة العنف في بلدة العوامية و إن ظاهرة العنف و الجريمة موجودة في البلاد بنسب مختلفة و الصحف المحلية تتحدث عن الكثير من قضايا العنف والجريمة.

الحديث عن وجود أجندة للعصابات المسلحة  في بلدة العوامية كما يشير الريس في مقالته هي محاولة إزاحة الحقيقة عن سياقها العلمي .فالمجرم يحمل السلاح ويواجه به المجتمع و يعود ذلك إلى أسباب متعددة و متداخلة ومعقدة منها التربوية و النفسية و الدينية، فبالتالي  الحديث عن وجود أجندة هي محاولة إلصاق الحراك السياسي بأصحاب التهم الجنائية بغية خلق صور سلبية عنه لسلب حالة التعاطف المحلي و الدولي لحجب مطالب الحراك السياسي في مدينة القطيف.

وعن الربط بين العصابات المسلحة والأجندة والاستقرار و الذي لم يوضح فيه أي استقرار يقصد، هل هو استقرار سياسي ام استقرار اجتماعي؟ ومن المؤكد إن جميع العقلاء يسعون إلى الاستقرار بكافة أشكاله، ومن أجل تحقيق الاستقرار ينبغي هنا الأخذ بعين الاعتبار العوامل التي تساهم ببناء الاستقرار والذي هو من صالح الجميع. ومن أبرز عوامل الاستقرار هو تحقيق مبدأ العدالة وسيادة القانون أمام الجميع، وقد كتب د. محمد القنيبط مقال مطولا بعنوان: (الاستقرار السياسي بين الشرطين الضروري والكافي) وأشار إلى جملة من العوامل التي تساعد على عدم الاستقرار "كعدم تكافؤ الفرص، اتساع دائرة الفقر، تفاقم أزمة السكن، تزايد عدد المعتقلين على خلفية قضايا الرأي أو القضايا الأمنية والإرهابية وتأخر محاكمتهم لسنوات طويلة.".

ولأن الحراك السياسي بدأ مع أحداث (الربيع العربي) و دخول قوات درع الجزيرة الى البحرين و إستمرار بقاء   السجناء المتهمين بتفجير الخبر والذين مضى عليهم أكثر من 18 سنة دون محاكمة أو حتى معرفة مصيرهم و الذي يعتبر أحد أبرز الأمثلة على حالة الظلم و التمييز الطائفي الذي يعانو منه. و من خلال ( عريضة العزة و الكرامة ) التي كتبها الأب الروحي للحراك, الشيخ نمر باقر النمر, يمكن معرفة مطالب الحراك السياسي علما أن العريضة كتبت قبل ( الربيع العربي ) و لم تستجب لها السلطات الرسمية , وهي تتلخص في تحقيق العدالة و الحرية الدينية,والأقتصادية,والسياسية.

إضافة إلى خروج درع الجزيرة المتواجد بالبحرين لمواجهة الثوار, و الذي يعد أنه تدخل لمحاولة منع أي تغير سياسي حقيقي على يد الشعب البحريني و الذي يلقي بضلاله على الداخل السعودي,و كذلك المطالبة بحق دماء 19 شهيداً و الذين قتلو على يد السلطات الأمنية وأغلبهم قتل في المظاهرات.هذا فضلا عن وجود التمييز الطائفي على الشيعة في كافة مناح الحياة على متسوى المطالب المدنية, وعلى سبيل المثال استمرار تجاهل المطالب المدنية كبناء جامعة أكاديمية أو إيجاد مناهج دينية متسامحة بدلا عن مناهج دينية قائمة على الكراهية والتكفير.

ومما ينبغي التأكيد عليه أن لا وجود لتناقض بين ضرورة الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويؤكد ذلك الكاتب محمد محفوظ في مقالته (الطريق إلى الاستقرار) المنشورة في صحيفة الرياض بتاريخ 14سبتمبر لعام 2004 "طريق الاستقرار الحقيقي لا يمر إلا عبر بوابة ممارسة الحرية ونيل الحقوق والمكاسب المدنية. وان أي محاولة لفك الارتباط بين الاستقرار والحرية بين الأمن وحقوق الإنسان، سيفضي إلى المزيد من تدهور الأوضاع وانهدام أسباب الاستقرار الحقيقية."  .

ويستكمل الريس بوضع سؤال محوري حول الحدث "كيف عرف نائب السفير أن الحادثة عرضية وليست مقصودة؟" وفي ظني إن هذا السؤال يجرنا إلى أسئلة أخرى لا تقل أهمية عن السؤال الذي طرحه، هل كان دخولهم إلى المنطقة دون علم السلطات الأمنية؟ السلطات الأمنية تعلم جيدا أنها هي السبب التوتر في بلدة العوامية  خصوصا و القطيف عموما وبناء على ذلك أليس من حق الوفد الدبلوماسي الحصول على الحماية الأمنية؟

يبدو أن الربط بين مرور الدبلوماسيين الألمان ببلدة العوامية  و بين الجريمة المنظمة و الحراك السياسي مقصود و إنه إشارة إلى محاولة خلط الأوراق و تحميل جهة دون أخرى مسؤولية الحدث مع الأخذ بعين الاعتبار أن السلطات السعودية تمنع وجود مراسلين صحفيين أجانب إلا من خلال رفقة مسؤولين من وزارة الإعلام كما أشار خالد الجهني في حديثه إلى BBC العربية و الذي أدى إلى اعتقاله بسبب التعبير عن رأيه السياسي في 11 مارس 2011.

ولاتزال حادثة الاعتداء على وفد دبلوماسي في بلدة العوامية بواسطة الرصاص وحرق السيارة بالكاملة محل استهجان ورفض من قِبل المجتمع القطيفي. وقد شارك هذا التساؤل الريس في مقالته حيث توفرت له معلومات من مصادره تفيد أن الوفد الدبلوماسي على موعد مع عدد من المخربين بحسب تعبيره، وأنه تم اللقاء بعدد من المطلوبين، وأشارك كذلك إلى المهرجان الخطابي (منبر النمر) الذي أقيم في ديسمبر من العام الماضي والذي أكدت شخصيات حقوقية وسياسية عن دعوات رسمية لحضور صحفيين ودبلوماسيين من أجل الحضور ورؤية الواقع بعيد عن التغطيات الإعلامية الرسمية.

 بناء على ما سبق، الرسالة التي يريد أن يوصلها الريس إلى جمهور القراء هي أن السلطات الألمانية متمثلة بدبلوماسييها وسفارتها قد تجاوزت الخطوط الحمراء عبر الاطلاع والتواصل مع طيف من جمهور الحراك السياسي وهم (المخربين) والمطلوبين هم المطاردين من قائمة 23 الأمنية والتي احتوت على بعض من لا يمثل الحراك السياسي إطلاقاً، بل بعضهم أصاحب سوابق جنائية.

تشير د. حنان أخميس في كتابها (تاريخ الدبلوماسية ص 27) أن من مهام من يعمل في السلك الدبلوماسي "تعزيز العلاقات الودية بين الدول المختلفة والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية “تحقيق مبدأ التعايش السلمي والودي بين الدول بما يخدم مصالحها ومصالح شعوبها على قاعدة بند الخلافات وحل النزاعات بالطرق والوسائل التي تصون السلم والأمن الدوليين." واعتقد أنه لا ينبغي أن يكون هناك تجاوز للدور الوظيفي لمن يعمل في السلك الدبلوماسي وإلا أعتبر ذلك تدخل في شأن البلاد مما يسبب خلق توتر سياسي قد يصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.    

وفي ختام مقاله يؤكد الريس خطورة الأمر لو صح لقاء الدبلوماسيين الألمان بالمطلوبين للداخلية وتنسيق للمشاركة في ملتقيات لدعم الشيخ نمر باقر النمر، كما يسقط وصف المخربين على شباب الحراك ويؤكد عمالتهم إلى إيران وأنهم ينفذون أجندتها السياسية وفقا لرؤية وزارة الداخلية، ويضيف أن أهل القطيف يتخوفون من دخول بلدة العوامية.
 
من المؤكد في عرف العقلاء أن العنف و الجريمة أمران مرفوضان من أي طرف كان، و محاولة إسقاط كل حدث جنائي أو ما شابه على الحراك السياسي أو الحقوقي هي محاولة لعرقلة أي مطالب مدنية. النخب السياسية والدينية بالقطيف تعتقد أن المخرج من هذا التوتر السياسي في المنطقة لا يتم إلا من خلال "تحقيق مبدأ العدالة والمساوة بين المواطنين باعتبارهم مواطنين لا باعتبارهم أصاحب مذاهب" كما أكد ذلك الدكتور توفيق السيف في حوار عبر برنامج في الصميم من شهر رمضان للعام الماضي.

يدرك الصحفي أن دوره يكمن في توصيف الواقع دون تحيز لطرف ضد آخر، والموضوعية والحياد، كما أن التحقق من صحة المعلومات يعد أمر هامً جداً وعدم التأكد يعد خطأ صحفي قاتلا فهو يساهم في فقدان أو انخفاض الثقة والمصداقية والتي هي رصيد مهم لمن يعمل في الصحافة والإعلام.

كثيرة هي مواثيق الشرف المهني الإعلامي والصحفي التي يوقع عليها الصحفيون و المؤسسات الصحفية و الإعلامية، و التي تؤكد على أهمية مراعاة الدقة في المعلومات و المصداقية و الشفافية و التي تعد أساس في العمل الصحفي والإعلامي الناجح . كما ينبغي منهم الموضوعية والحيادية والاستقلالية عن أي منظومة سياسية وأن تتعامل مع التنوع الثقافي والاجتماعي دون تحيز لفئة دون أخرى كما جاء في جمعية الصحفيين البحرينيين.

وتعتبر الموضوعية والحياد أحد أبرز التحديات في العمل الصحفي والإعلامي على حد سواء. يقول الكاتب عقل عبد الله في مقال بعنوان (الموضوعية والحياد هاجس العمل الإعلامي) نشر في صحيفة "الإمارات اليوم" في شهر سبتمبر من العام الماضي "إن الوصول إلى الحقيقة كاملة وتغطية الأحداث كما هي وكما وقعت من غير تدخل أو رقابة أو تجميل يجب أن تكون هاجس كل مراسل أو محرر أو مذيع لأن كل تغطية مجتزأة أو مبتورة وناقصة للأحداث والأخبار سيأخذ من رصيد وسائل الإعلام من الشعبية." وهذا ما يسفر لنا بوضوح حجم السخط الذي رافق الحملة إعلامية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر ضد الصحافة السعودية وذلك على خلفية تعاطيها مع قضايا الحراك السياسي في البلاد بصورة عامة.

و تبقى حادثة الاعتداء على الوفد الدبلوماسي في العوامية حديث الساعة على مستوى المجتمع الشيعي و السعودي دون الوصول إلى إجابات واضحة حول ملابسات الحادثة لا من قِبل السفارة الألمانية ولا من قِبل السلطات الأمنية السعودية سوى مقالات وتقارير تفتقد إلى الرؤية الصحفية الأكاديمية الجادة الرصينة. 

 

 

 

المصادر:

1- جمعية الصحفيين البحرينيين
2- تاريخ الدبلوماسية , د. حنان اخميس
3-  محمد محفوظ , مقال  الطريق إلى الاستقرار
4-الاستقرار السياسي بين الشرطين الضروري والكافي د.محمد القنيبط
5- SPJ Code of Ethics
6- الموضوعية و الحياد هاجس العمل الإعلامي, عقل عبد الله
7- من الشرق إلى الغرب , سعود الريس , صحيفة الحياة
8-


9-

10- صحيفة الحياة , تقرير عن حادثة الاعتداء على الدبلوماسيين بالعوامية
11- موقع الشيخ النمر , عريض الكرامة