افهمها تحبك وافهميه يحبك (2)
هذا العنوان البسيط والمباشر للمقال يشكل مفتاحا رئيسيا من مفاتيح نجاح العلاقة الزوجية. قد تسأل الزوجة زوجها بعد أن قضيا عمرا طويلا (في ثبات ونبات، وخلفا صبيانا وبنات) سؤالا لا يبدو عند الزوج ذا طعم، إذ تقول له: هل تحبني؟!
ساعتها، إذا لم يفهم الزوج حاجة المرأة للتطمين، ولم يستوعب مفهومها للحب، وأنه عندها يعني الرومانسية والتعبير، وأنها تحتاج من لغات الحب الخمس إلى لغة التوكيد (Words of Affirmation)، فإنه قد ينفجر غاضبا في وجهها، قائلا: أبَعد كل هذا العمر وبعد كل ما أفعله لكِ تسألين هذا السؤال؟! ألم تشعري أني أحبك؟!
إن المشكلة هنا تكمن في اختلاف طريقة تعبير الرجل عن حبه عن طريقة المرأة، فهو عادة يعبر بالمواقف، وليس بالألفاظ. لذا فإنهما يحتاجان لفهم بعضهما البعض بصورة أعمق كي يستطيع كل منهما إيصال رسالة الحب للطرف الآخر بتلقائية وعفوية، ويتمكن الآخر من استلامها وتشفيرها بنحو سليم.
من بين الاختلافات بين الرجل والمرأة ما يتعلق بالجانب العقلي. يذكرون في هذا الصدد مثلا أن عقل المرأة أكثر استجابة لمشاعرها، فيستجيب عقل المرأة للمشاعر الحزينة بمساحة تعادل 8 أضعاف المساحة التي يستجيب لها عقل الرجل. وهذا يفسر سبب تأثرها بشكل أشد من الرجل. وأنها حين تقوم بأي عمل فإن مساحة كبيرة من عقلها تتأثر به وتنتبه له، وهذا يفسر اهتمامها بالتفاصيل. كما أنها أقدر على الملاحظة، وذاكرتها أقوى وأكثر قدرة على تذكر الأسماء والوجوه، وعقلها أكثر انشغالا بالتعبيرات الرمزية، فتهتم باستخدام لغة الحديث للتعبير عن مشاعرها، بينما يستخدم الرجل التعبير المادي.
تحت عنوان "قصة عقلين" قدم المحاضر الأمريكي مارك جونجور (Mark Gungor) رؤيته للفروق بين عقل الرجل وعقل المرأة، وأنهما مختلفان في أصل الخلقة، وبالتالي يجب التعامل معه بعد أن يفهم كل طرف خصائص الطرف الآخر، ودوافعه لسلوكه التي تبدو غريبة وغير مبررة.
الفارق الأساس بين العقلين، من وجهة نظر جونجور، أن عقل الرجل صناديق، وعقل المرأة شبكة. يشرح جونجور هذا الفارق ببيانه الذي نقتطف منه التالي:
عقل الرجل مكون من صناديق مُحكمة الإغلاق، وغير مختلطة. هناك صندوق السيارة وصندوق البيت وصندوق الأهل وصندوق العمل وصندوق الأولاد وصندوق الأصدقاء وصندوق المقهى ...الخ.
وإذا أراد الرجل شيئاً فإنه يذهب إلى هذا الصندوق ويفتحه ويركز فيه. وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئاً خارجه. وإذا انتهى أغلقه بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا .
وهذا هو ما يفسر أن الرجل عندما يكون في عمله، فإنه لا ينشغل كثيراً بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد، وإذا كان يُصلح سيارته فهو أقل اهتماماً بما يحدث لأقاربه، وعندما يشاهد مباراة لكرة القدم فهو لا يهتم كثيراً بأن الأكل على النار يحترق، أو أن عامل التليفون يقف على الباب من عدة دقائق ينتظر إذناً بالدخول.
عقل المرأة شيء آخر: إنه مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة والمتصلة جميعاً في نفس الوقت والنشطة دائماً. كل نقطة متصلة بجميع النقاط الأخرى مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت .
وبالتالي فهي يمكن أن تطبخ وهي تُرضع صغيرها وتتحدث في التليفون وتشاهد المسلسل في وقت واحد. ويستحيل على الرجل - في العادة - أن يفعل ذلك.
وتأتي المشكلة عندما تُحدث الزوجة الشبكية زوجها الصندوقي فلا يرد عليها. هي تتحدث إليه وسط أشياء كثيرة أخرى تفعلها، وهو لا يفهم هذا لأنه - كرجل - يفهم انه إذا أردنا أن نتحدث فعلينا أن ندخل صندوق الكلام وهي لم تفعل .ويحدث كثيراً أن تُقسم الزوجة أنها قالت لزوجها خبراً أو معلومة، ويُقسم هو أيضاً أنه أول مرة يسمع بهذا الموضوع، وكلاهما صادق. لأنها شبكية وهو صندوقي .
قد تتفق مع جونجور حول رؤيته وقد تختلف، لكن الحقيقة الثابتة تقول: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى). ومنها تأتي الحاجة لفهم الآخر، فالفهم قبل الحب ومع الحب وبعد الحب.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.