شاعر طينته الحب
ربما يأخذ عليه البعض الحضور الكثيف في المناسبات الرثائية الخاصة، إذ قد يرون في ذلك «ابتذالا» للشعر. هذا ما حدا به إلى الرد في ديوانه الأخير «جنى الجنتين»، فكتب يقول: كثيرا ما يستغرب البعض من كثرة قصائد الرثاء لدي في من أعرف ومن لا أعرف، وهنا وددت أن أبين السبب الرئيس وراء ذلك.
وبرغم أنه لخص السبب في كون الشعر نعمة تستحق الشكر، ورثاء الأحبة والمؤمنين شعرا هو مصداق للشكر، كما يقول؛ فإني لا أرى في ذلك سببا كافيا. المسألة من وجهة نظري أعمق، وتذهب بعيدا في سيكولوجية الشاعر ذاته.
الشاعر سعيد معتوق الشبيب هو واحد من أكثر الشعراء التصاقا بالناس العاديين، يألفهم ويألفونه، ويحبهم ويحبونه، ويتأثر بما يحدث لهم حتى لو لم تكن بينه وبينهم معرفة عميقة. وعندما ينفعل لحدث ما فإنه يستطيع بسرعة أن يدخل يده في جيب قلبه لتخرج قصيدة آية في الشعر من غير سوء.
الشاعر سعيد عندما يكتب في من يعرف ومن لا يعرف، فإنه لا يتكلف أبدا، لأنه يمتلك القدرة العجيبة على التقاط أنفَس ما في الشخصية المرثية، ومن ثم التركيز عليه والدوران حول محوره. ففي كل قصيدة رثاء تراه يختار وينتقي مجموعة من الصفات المميزة للفقيد، والتي تجعله أهلا للذي يقال فيه، فكأنه لا يهمه الاسم بقدر ما تستهويه المزايا القابلة للاكتساب والتعميم. فأغلب من كتب فيهم رثاء هم أناس عاديون، ولكنه تمكن من تحويلهم إلى شخصيات ذات مستوى رفيع، ليس باختلاق واختراع صفات ليست فيهم، بل من خلال مقدرته الفذة على الغوص فيها واستخراج جواهرها.
فجر السبت الماضي 8 مارس 2014 انتقل والدي العزيز إلى رحمة الله. لم يكن رحمه الله شخصية اجتماعية مرموقة يشار لها بالبنان، بل كان شخصا بسيط التفكير والحياة، ولعله أحد المصاديق للكلمة المأثورة: ”عليكم بدين العجائز“، فقد كان متمسكا بدينه أشد التمسك؛ يؤدي فرائضه، ويحرص على صلة رحمه، القريب منهم والبعيد، ويقدم ما يمكنه من خدمات للآخرين. يفعل ذلك لوجه الله تعالى. كان مقلا في كلامه جدا، ومع هذا كانت أفعاله تقول عنه الكثير.
كعادته التقط سعيد الشبيب بعدسته الشاعرية مجموعة من الصور التي استوقفته في حياة الوالد، وأودعها ببراعة في قصيدة جميلة تكشف عن إنسانية شاعر مخلوق من طينة الحب.
أخيرا أقول: كي نبادل هذا الشاعر حبا بحب، فإن علينا أن نسعى لاقتناء ديوانه والمساهمة في نشر شعره. وهنا أجدها فرصة أدعو فيها ذوي المرثيين في الديوان للمساهمة في توزيعه على نطاق واسع لاشتماله على ذكر فقيد أو أكثر لهم، وتلك لعمري لغة جميلة في الحب.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.