وابي سابي حب الجمال الناقص
مع اتجاه حياتنا نحو التعقيد الشديد والصخب واللهاث الماراثوني لطلب كل جديد في عالم الكماليات وما بعد الكماليات؛ ومع انكماش منظومة المثل والقيم التي كانت تسود مجتمعاتنا لصالح قيم ومثل جديدة طارئة تغلب عليها النزعة المادية البحتة؛ فإننا بحاجة ماسة لكل ما يذكرنا بالجماليات التي نسيناها ذات طفرة عند صخرة الثقافة المعولمة المعلبة، فاتخذت سبيلها في البحر سربا.
وابي سابي هي كلمة يابانية مركبة من مفردتين. عندما تبحث عنها عربيا في «غوغل» فإنك لن تجد عنها نتائج بعدد أصابع الكف الواحدة.
أما إنجليزيا فستجد الكثير من النتائج تحت Wabi Sabi. ولأني لا أفقه في اليابانية شيئا، فقد توجهت بالسؤال لأحد أقاربي الذي يتقن اليابانية بحكم تخرجه من إحدى جامعاتها، فكان من مضمون جوابه أنها من الكلمات ذات المدلولات الكثيرة والعميقة في اللغة اليابانية، والتي لا تستطيع شرحها أو ترجمتها بكلمة واحدة، حتى لو كنت ياباني المولد والنشأة.
وذكر أن من معانيها الجمال في البساطة، والصدق والنقاء، ورؤية الجمال في الأشياء وإن لم تكن مكتملة أو متقنة تماما، كما تعني أن بعض الأشياء لا تُعرف قيمتها إلا بتقادم الزمن ومرور الوقت.
الوابي سابي تعني المنظور الياباني للجمال، والذي يركز على الهدوء والبساطة والرضا والقناعة والحنين للماضي، وعلى قبول غير الكامل أو المكتمل، أو بتعبير آخر وجدان الكمال في غير الكامل، وبالعبارة الإنجليزية Finding perfection in imperfection
وكما تقول أيرل فورد مؤلفة كتاب WABI SABI LOVE إن الوابي سابي هو شكل من أشكال الفن الياباني القديم الذي يحتفي بالأشياء القديمة البالية الناقصة غير الدائمة، فمثلا إذا كان لديك إناء فخاري كبير تصدَّع في منتصفه، فإن متحف الفن الياباني سيضع الإناء على قاعدة ويسلط الأضواء على التصدع باعتباره جمالا، أو سيقوم بطلاء التصدع بالذهب من عيار 24 قيراط.
في حياتنا الشخصية يمكن أن نطبق فلسفة الوابي سابي في مجالات عديدة. قد نبحث عن الكمال في علاقاتنا الأسرية أو الاجتماعية، وعندما لا نجده نصاب بالإحباط وخيبة الأمل، وربما نصل إلى مرحلة الانفصال أو الاعتزال. أما حين نأخذ بالوابي سابي، فإن منظورنا للأمور سيتغير تماما، لأننا سنفتش حينها عن جزء الكمال الموجود في الآخر، ثم نقوم بتضخيمه والاعتزاز به، بل ربما نجد في عيب من العيوب جمالا أيضا، تماما كما نرى في لثغة لسان البعض جمالا حين يَعدِلون من حرف إلى حرف.
للأسف، فإنه كثيرا ما يحدث الطلاق، الذي انتشر بشكل مخيف اليوم، بسبب الإغراق في طلب المثاليات. هي تريده كامل الأوصاف، وهو يريدها بأعلى المواصفات والمقاييس. والتركيز غالبا على المظاهر الشكلية مع إغفال الجوهر، خصوصا مع تحول الحياة الخاصة جدا إلى عامة جدا، يتم نشرها ومتابعتها على الانستجرام والفيسبوك والوتساب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. ومن ثم تكون الصورة أهم من الحقيقة، فالصورة للناس، وعلى أساسها يكون التقييم والتفاخر و«الفشخرة!!» دون أدنى مراعاة لمشاعر الآخرين المحرومين مما يتم التباهي به.
لو طبقنا الوابي سابي بما يعنيه من البساطة والقناعة وقبول بالآخر كما هو؛ وسَعَينا لالتقاط الجماليات غير المرئية فيه، لَتَغير الحال ولأصبحنا أكثر سعادة وهناء. ولو تأملنا قبل ذلك في قوله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» لأدركنا حاجتنا لنظرة أعمق للأشياء والأشخاص قبل أن نحكم عليها.
الوابي سابي هو دعوة للتعايش الجميل مع الناقص ومحاولة سبر أغواره لاكتشاف كمالياته، وهو طريق يتقنه الباحثون عن الحب الذي لا تؤثر فيه الظروف والمتغيرات الطارئة.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.