هل حقاً الأفكار تُسرق ؟ !
سؤال احتواني ذات مساءٍ عبر نقاشٍ مع أحد الأصدقاء والذي يتسم بعقليةٍ نشطةٍ فكريةٍ ذو أريحيةٍ ثقافية.
إنه أدخلني عنوة في هذا الحيز المخبوء تحت عباءةٍ اشتهاء الشهرة والبهرجة، لتبرق في عيني حقيقة التسلق على أكتاف الآخرين، وسرقة بنات أفكارهم وأحلامهم الدافئة.
نعم، هناك فرق شاسع بين احتضان الفكرة وتبنيها وبين سرقتها، ولتوضيح ذك نستشهد بما ذكره الكاتب خليل الفزيع في مقاله في صحيفة اليوم بعنوان « سرقة الأفكار..، والحذر المطلوب » كاتباً " قبل أسابيعٍ من خلال مربع الدردشة على الفيسبوك طرح الصديق ظافر الشهري كتابة موضوع عن سرقة الأفكار، فأخبرته أن الأفكار ملك للجميع، وربما تواردت الخواطر في موضوعٍ ما حتى ليبدو أن في الأمر سرقة، لكنه ضرب مثالين: المثال الأول فكرة برنامجٍ تليفزيوني تطرحها بالتفصيل على مدير القناة فيسرقها وينسبها لنفسه، والمثال الثاني الإعلامي الذي تأخذ رأيه في فكرة منتدى معيّن وبتفاصيلٍ معينة، فتفاجأ في اليوم التالي أنه عمل منتدى بفكرتك نفسها.
إن التألق والإنجاز لا يخولنا أن بحث هنا وهناك، واستراق السمع، لاقتناص أفكار الآخرين وبلورتها عملياً كمشروعٍ نكتب عليه أحرف أسمائنا دون التواصل الأخلاقي مع صاحب الفكرة، كأننا السيد الذي أعمل فكره في ولادة هذه الفكرة.
وأضاف الفزيع « نعم.. يشكّل الوازع الأخلاقي والاجتماعي والديني ـ وهو الأهم ـ سداً منيعاً يحول دون ارتكاب مثل هذه الأخطاء بحق الآخرين، وهي أخطاء تصل إلى حد الجريمة كما هو واضح من المثالين السابقين وما يشبههما من حالاتٍ أخرى، وقد كثرت هذه الحالات حتى أصبحت من الأمور التي تعوّد عليها الناس، لذلك فإن معظمهم يأخذ بأسباب الحيطة والحذر قبل أن يعرض أفكاره على الآخرين، خاصة إذا لاح في الأفق ما يوحي باحتمال تعرّض فكرته للسرقة، وفي هذه الحالات لا ينجح حسن النية ولا الثقة ولا الكلام الجميل المعسول، بل لا بد من اتخاذ كافة الاجراءات التي تضمن للإنسان حقه، حتى لا يضيع هذا الحق هدراً على أيدي من ماتت ضمائرهم».
إن العمل الاجتماعي ديدنه المشاركة الاجتماعية في احتواء العقول الناضجة ذات الإبداع.
نعم، قد يكون صاحب الفكرة لا يملك مقومات تنفيذها عملياً في الواقع لخلو يديه من الإمكانيات والاستراتيجيات التقنية والمهنية والعلاقات الاجتماعية، لهذا ينبغي وجود حضنٍ دافئ يحتوي هكذا أفكار، وترجمتها فعلياً حيث يكون هذا الحضن ضمن استراتيجيته وإمكانياته السعي الحثيث الأخلاقي في تبني هذه الأفكار.
يقال في الحكمة العربية « الحكيم من جمع عقول الناس في عقله ».
إنها لقيمة أن نبصر في أفق القطيف من يحتوي هذه العقول النيرة وتبنيها واحتضانها لنقدم للمجتمع خلاصة هذه الأفكار إنجازاً يضيف لها رونقاً جمالياً كجمال الربيع ورعشة السعيفات ورقصة الماء.
حقيقة إن التنافس شيء حسن تقتضيه الطبيعة البشرية وبه يتعتق الإبداع فتزهر الأرض لا أن يكون ساحة كل يهمش الآخر، وينقصه من قيمته الفكرية والمعنوية.
إنه دائماً نسمع هذه الجملة بين الفينة والأخرى من شفاهٍ عشقت العمل الاجتماعي، وتفانت في خدمة مجتمعها حيث كانت « كلنا يكمل الآخر، وتميزك هو تميز لي »، ماذا يعني ذلك؟
إنها كلمات إذا ما وعتها أذن واعية، فستكون منهاجاً وطريقاً حيث يضع هذا وذاك وهو يده في يد هذا وذاك وهو، تتعانق القلوب، وتمتزج الأرواح، وتغربل الأفكار لتنضج حينها وحينها فقط نساهم في الرقي والتطور، وبدونها نقبع في الظلمة وإن اعتلتنا البسمات، فإنها بسمة ككذبة إبريل.
لا يخفى على أحدٍ بأن القطيف أبنائها وبناتها يعشقون العمل التطوعي، وتهفو أنفسهم في خدمة مجتمعهم بكل أصنافهم وألوانهم الثقافية وأعمارهم السنية.
إنها دعوة صدقٍ في احتواء الفكرة المبدعة، والرغبة الصادقة، والعمل الدؤوب بعيداً عن العقد النفسية التي زاحمت أنفس الرائعين صفاءً وعشقا، فلنحافظ على متابعة الأفكار، ونتقن صناعتها، ونناصح السراق بأنكم تتجهون لبريق شهرة الذات بقصدٍ كان، أم بعدم انتباهٍ حينها وحينها تذهب البركة وتسقط الثمرة وتنطفئ الفكرة، وتصبح في سلة المهملات.