القرقيعان والفوضى
نحن مجتمع يتقن صناعة الفوضى كبقية المجتمعات الإسلامي والعربية، تصاب جهودنا كلها بالبوار والإفلاس عندما نريد أن نقدم برامج نافعة ومفيدة في كثيرٍ من الأحيان، وحتى البرامج والمشاريع الناجحة نتقن قتلها بنزعة التناحر والتفتت الحادة، التي تنبؤك عن طبيعة العقلية الإجتماعية الغوغائية السائدة التي جاءتنا من زمن الغابات ومن يسكنها ولازالت ظلالها مخيمة على واقعنا حتى اليوم.
منذ القدم وحتى اليوم، أخفقت جهود الأنبياء والأئمة والمصلحين في ترويض شعوبنا وتعليمها النظام، ونسينا وصية علي «الله الله في نظم أمركم»، بل أكاد أجزم أن هناك من الحكام المستبدين المغضوب عليهم من ربما كانت له في البدايات نزعات قومية نهضوية في هذا العالم المتنوع، أربكتها وخنقتها غوغائية شعوبنا المؤدلجة بمفاهيم الكراهية وصناعة الدمار وتحطيم المهم وتدمير الأهم والأولويات، ولي في ذلك وقفات تأمل ونقاش لا أحب أن أطرحها في وسط مجتمع لا يستوعب حرية الأفكار ولا ضرورتها، ولا يجيد مهارات محاولة إستيعاب رؤية الآخر، وخلاصة ما يمكن قوله هنا أن تخلفنا لم تصنعه الحكومات بمفردها.
ويبقى المهم هنا بعد ترك ما لا يمكن نقاشه، أن نعود للموضوع في جانبٍ مهمٍ يمكن نقاشه دون أن يتحسس من النقاش كثيرون ممن يصرون على تجميد الأفكار، وهو نقاش موضوع الإحتفالات الدينية وبالخصوص منها مناسبتا القرقيعان، والتي حولناها جميعاً من مناسبات هادئة وجميلة ومليئة بالروحانية وبالمشاعر الإنسانية النبيلة، إلى عالم من الفوضى والإشكالات.
يبدو المشهد اليوم خارجاً عن السيطرة، حيث تتوزع الأنشطة والبرامج والممارسات لتخلق تزاحماً مريضاً وتناقضات حادة بين حياة الناس، وابتهاجهم واحتفالهم بمثل هذه المناسبات المقدسة والبهيجة والسعيد. حيث تسد الطرق بشكل قد يعطل إنقاذ أي حالة بشرية حرجة بحاجة للإسعاف، بعذر التزاحم الذي تخلقه ممارسة الإحتفال المقدسة.
وكل ما يمكن قوله هنا يا سادة، أننا أذكياء فقط في إرباك الواقع وصناعة الفوضى، وفاشلون في نظم أمرنا، فكل تلك الجهود والطاقات والبرامج يمكن لملمتها وإعادة صياغتها وبرمجتها لتخرج بحلة أروع وأبهى وأجمل، وبحيث نكون قد خلصناها من إشكالاتها.
تقام في البلد مهرجانات ضخمة يفد لها الآلاف من الزوار، ولا تشهد هذا القدر من الفوضى، ونحن نشتت جهودنا ونوزعها في المنطقة بطريقة عشوائية تصر على إرباك الواقع وإحداث الفوضى والتنافس في ذلك. وبهذا يتم إفساد المناسبة المقدسة.
كل تلك المجسمات يمكن لملمتها وتجميعها لتخرج بحلة أفضل وبشكلٍ مهيب وبلا تزاحم، وكل تلك الأموال والطاقات يمكن الإستفادة منها بشكلٍ أفضل.
نعم، ربما كان هناك سببٌ قديم دفع هذه الإحتفالات للتشتت والتوزع بهذا الشكل الفوضوي، في أجواء لم تسمح قديماً بتجمع هذه النشاطات في مكانٍ واحدٍ، لكن الذي أتوقعه اليوم، بل والذي أعرفه الآن، أن مثل ذلك السبب كما يبدو قد زال حاضراً، بدليل ما نشهده من وجود بعض الممارسات الإحتفالية والمهرجانات المنظمة الضخمة.
إذاً لن نقول إلا «الله الله في نظم أمركم»، ولن نتمنى إلا أن تلملموا جهودكم، رعاية لكل شيء، الدين والمذهب والمنطقة والإنسان... والسلام.