فـــي وطني؟
في وطني لانعرف ثقافة الطابور، ونكرهه بكافة أنواعه وألوانه وأشكاله وثقافاته، ولو أقنعتمونا من اليوم حتى يوم الدين، فلن نقتنع بالطابور الملعون، فإننا عاهدنا الله ورسوله ما أن نقف بطابور ما حتى تختل عقولنا وتتعارك رؤوسنا، وخاصة طابور عشاء البوفيه المفتوح المجاني، حينها تأكلنا أقدامنا حتى بطوننا، وتشرئب أعناقنا، فنحاول التملص من الطابور بكافة الطرق والمحاولات والسياسات، سواء بالهمزة والغمزة، أو بالحيلة أو الكلام الطيب، أو بالحرب ورفع المناديل على أسنة الملاعـق، حتى نفوز بأوله ونظفر بمأكله، وما أدراكم بطابور البنوك، إنه وبال وعار، فلقد أرهقونا الغرب بصنع ماكنة تنظيم الدور خزاهم الله وعاقبهم! فهذا عذاب مامثله عذاب، فالطابور ملعون بثقافتنا وعاداتنا منذ خلقنا، وهو من ألد أعدائنا، وإن لم تعلموا فهو من أبناء الشيطان الرجيم، لذا نحن نربي ونعلم أبنائنا على الإخلال بالطابور وعدم الالتزام به، فقد أخل وهز طريقتنا الفوضوية، وهي وصية تركها الأجداد ليطبقها الأحفاد.
في وطني كنا ومازلنا نحتاج خادمة في كل بيت لتكون أماً لأطفالنا، وعوناً لأبنائنا، ولترد على الهاتف، وتغسل الصحون والملابس، وتعمل المعسل، وتغسل السيارة، لكن! ما باليد حيلة، فسعرها في وطني ينافس مهر الزوجة، فياليتها كذلك! وبأضعاف سعرها والمدة لجلبها عم بدول الجوار، وهذا إن وجدت، فالخادمات عندنا حلم من أحلام الدنيا كحور الجنة، وخاصة بشهر رمضان، والله أكرهتمونا في الخادمات، وكرهنا حياتنا بسببهن، ويوميا اختلافات وخلافات بين الزوجين بخصوصهن، حتى عاهدوا الله « الخادمات » إنهن لن يأتين إلي ديارنا، وكأننا شعب منبوذ يعيش بكوكب الظلام، والطامة إنهم يأتون إلي دول أبناء عمومتنا وجيراننا بكل سهولة ويسر! أما نحن فما زلنا نتفاوض على أقناعهم بالحضور، ومع ذلك الدفع بعشرات الالاف من الريالات، وإلي الأن لانعرف من الحرامي! هل هو مكتب الخادمات في بلادهم، أم مكتب الخادمات في بلادنا، أم الخادمة نفسها، أم نحن المغفلون؟
في وطني مراسيم العزاء لعنة ونقمة على العباد، فعلينا أن ننفخ البطون والكروش مع كل روح تغادرنا، وأن نتعاقد مع المطابخ وبائعي الذبائح ابتهاجا لبدعة ما أنزل الله بها من سلطان، فتصبح مصيبة قوم عند قوم فوائد، وقريبنا مات وودعنا، ونحن نتورط ونتعذب، وبدلاً من الترحم عليه، هو سيترحم علينا، والواقع إن معظم الناس من الطبقة الكادحة، وليس لديهم تكاليف ولائم العزاء المفاجئة، فالزواج يكون بخطة وتحديد موعد ومصاريف وتكاليف، أما الموت فهو مفاجئ، ويأتي حينها عزرائيل دون موعد، فكان الله بعون أهل المتوفي، وكان الله بعون جيوبكم، ولن تنجح حملة وخطة إلغاء الولائم بالعزاء في بلادي، فنحن أمة تحب وتعشق وتهيم بالرز والذبائح حباً جماً!
في وطني الكل عايش مع العايشين، إلا « مارحم ربي » ولا خطة للمتزوجين، عدد الأبناء، وكيفية تربيتهم والعناية بهم لتأمين مستقبلهم، فتتم عملية تقشف المحفظة من الأموال، وتعبئة البيت بالأعوال بالعامية، وعندما يكبرون، الكل يحمل جوال آخر موديل أس 4 وبس 5 ودس 6، والديون من رأس الأب حتى أخمص قدميه، وأزيدكم من الشعر بيتاً، والكل لديه حساب واتساب أب وأنستغرام وفيس بوك، والكل إعلامي.. هذا ليس عيباً، وهذا حال كل العرب، بل العالم أجمع، لكن العلة التي أرهقت الملة، إننا جعلنا حياتنا كلها إلكترونية، حتى أصبحت صلة الرحم إلكترونية، والعلاقات الاجتماعية إلكترونية، وتحولنا إلي عالم افتراضي إلكتروني، ولانعلم ماهو القادم؟
في وطني رمضان أكبر مشروع تبذير وتسمين في تاريخ السنة والأمم والشعوب، هي هبة سعيدة ومهمة سقطت من السماء لعرض أنواع الطبخات المحلية والعالمية، فحلت بمطبخنا الأكلات المكسيكية والإسبانية والروسية واليهودية، وهذا حتى لدى الأسر الفقيرة، فكل مايخرج من المطبخ أعد وخطط للتصوير مسبقاُ، وليس له دخل برمضان، ثم النشر بوسائل التواصل الاجتماعي.. برمضان أيضاً يحلى السهر والطرب والرقص والغناء بالطريقة الإسلامية « حلال »، وبرمضان تحلى المسلسلات الخليجية الاستعراضية، وبرمضان يحلى استعراض الشفاه الجميلة والشعر الجذاب، والأنوف الطويلة والأجسام الفاتنة أمام الشاشة، برمضان أحبتي يحلى الحيص بيص والعيص، ولا تسألوني ماهو الحيص بيص والعيص؟
في وطني أشياء كثيرة لايمكن حصرها هنا، منها الإيجابي ومنها السلبي، مثل كل الأوطان، لكن مع كل هذا نحبك ياوطني، فليس لك ذنب بهذا، ولا سبيل لنا سوى إصلاح نفوسنا أولاً ثم سلوكنا وعادتنا السيئة، وتطوير أفكارنا العشوائية، فنحن بشر، ونحن خطاؤون، وهذا ليس عيباً، بل العيب أن نعرف إن هذا الطريق خطأ، ونسير فيه، وهي الطامة الكبرى.