« السينما » بين عقليةٍ متشددةٍ وأملٍ بولادةٍ مرتقبة
السينما كما يُعرفها المختصون بأنها مصطلح يشار إلى التصوير المتحرك الذي يُعرض للجمهور، إما من خلال أبنيةٍ تحتوي على شاشاتٍ كبيرةٍ تسمى بدور السينما، أو من خلال الشاشات الصغيرة كالتلفاز، أو الأجهزة الذكية الحديثة. وتكمن أهمية السينما بكونها مرآة للبيئة التي تكتنف الإنسان والأحداث التي تتلازم معه وتتقاطع. فأصبحت السينما عنصراً فعالاً شاء من شاء وأبى من أبى سواء كانت دلالتها الفاعلية إيجابية، أم سلبية.
إن « السينما » لها الأثر الكبير على الإنسان حيث تلعب دوراً بارزاً في التأثير على الفكر والعاطفة والسلوك والاقتصاد والأخلاق. إنها ترصد الأحداث الحياتية، وتنقلها من خلال الصورة والصوت لعدسة المتلقي « الإنسان » ضمن إشاراتٍ ثقافيةٍ وتربويةٍ « إنها سلاح ذو حدين »، إن هذا الفن التكنولوجي بين يد الإنسان ومن خلاله إما ينثر الجمال بألوانه، وإما يُقحم السواد بألوانه، فقد رأى الكثير من الخبراء بأن وسائل الإعلام المرئية سواء السينما، أو التلفاز لها تأثيرها الإيجابي والسلبي على المجتمع بما يُعرض من خلالها. إن الحياة طريقان، طريق الخير، وطريق الشر، وإعمال العقل، وتقنين كل ما نتعامل معه لهو السبيل في المضي في طريق الخير والابتعاد عن طريق الشر، فالقبح ليس ذاتياً في « السينما » وإنما في ما يعرض.
إن السينما أداة لها فاعلية كبرى في رقي المجتمعات، وارتقاء الإنسان عبر تقيده والتزامه بالهوية الثقافية والفكرية والأخلاقية. إن الفن السينمائي فن كأي فنٍ من الفنون كالشعر والرواية والمسرح، وهذه الفنون إذا ما سخرها الإنسان طوعاً في النواحي الإيجابية، ووضع لها « كنترول»، فإنه سيساهم بلا شكٍ في الإصلاح الاجتماعي، والنمو الفكري والثقافي، فينبغي تناول « السينما » ببصيرةٍ عبر إخضاعها لعنصر الدراسة المبني على الأسس المنطقية لا أن تقبر في مهدها.
وعليه فإن المشكلة لا تكمن في « السينما » بحد ذاتها ولكن في ما يطرح من خلالها. وهذا ما أشار إليه الكاتب عبدالله الدحيلان عبر مقاله المنشور في صحيفة الحياة السعودية الثلاثاء 10 يونيو/ حزيران 2014 م بعنوان « الأمر بالمعروف تدشن مهرجاناً للأفلام » بأن مصادر الحياة تقول أن الهدف من إقامة هذا المهرجان هو« تعزيز أهمية المادة المرئية للتأثير في المتلقي، وسيتم مراعاة الضوابط الشرعية ». أوليس هذا الهدف يتقاسم مع الهدف الذي ينادي به رواد السينما ومن يطالبون بها، أليس بالإمكان أن تكون هناك « سينما » وتخضع للغربلة و« الكنترول » بدلاً من منعها وإقصاء الفكر للآخر المنادي بها.
إن التيار الديني المتشدد وراء منع إنشاء دور « السينما » في السعودية. فمن جهةٍ أخرى استغرب الكاتب والشاعر زكي الصدير في مقاله المنشور في صحيفة الشرق السعودية بعنوان « الهيئة تدشن السينما » السماح للهيئة بتدشين أقلامها السينمائية « الشرعية » وفي مقابل ذلك يتم منع الجمعيات الثقافية، والأندية الأدبية بتدشين أفلامها « الفنية » مبيناً سبب استغرابه بأن الجمعيات الثقافية، والأندية الأدبية هي ابنة الإعلام، وفرع من فروعه. وما إيقاف التيار الديني مسابقة أفلام السعودية الأولى عام 2008 م إلا دليل على ازدواجية التفكير بمعنى« باء تجر وباء لا تجر ».
ونتيجة لذلك فإن الموقع الإلكتروني العالمي « اليوتيوب » قد أصبح ملاذاً لعاشقي السينما والأفلام السينمائية في السعودية. حيث لجأ الكثير من عشاق الأفلام السينمائية إلى الموقع العالمي « اليوتيوب » لينشروا أعمالهم، والمشاركة في المسابقات المحلية والدولية حيث أحرز فلم « وجدة » للمخرجة والكاتبة هيفاء المنصور جائزة أفضل فلم طويل في مهرجان الخليج السينمائي للدورة السادسة بدبي كما رُشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغةٍ أجنبية عام 2013 م في أهم محفلٍ سينمائي على مستوى العالم، والكثير من المراكز والجوائز حصدتها الأفلام السعودية يضيق المقام لذكرها تباعاً للإشارة « واللبيب تكفيه الإشارة ». لهذا صار « اليوتيوب » متنفس يُطفئ شغف رواد « السينما » بنسبةٍ وقدرها.
وأخيراً سؤال يخترق فضاء الأمنيات بذواتنا وذوات الشغوفين بــ « السينما » مفاده: هل ستبزغ في الأفق « سينما » تحتضن المبدعين والمبدعات، ليقدموا كل ما فيه خدمة لوطنهم في شتى المجالات. إن وجود « سينما » تمثل رغبة تصل إلى مستوى الحاجة لما لها من إيجابياتٍ تسكب ظلالها على البيئة الاجتماعية والثقافية والفكرية مع الالتزام بالأخلاق والمبادئ في ما يطرح من خلالها، وتوعية المجتمع لذلك. ومن خلاله سنسعد بوجود « سينما » تكون أداة للإصلاح عبر التوجيه السليم، وتبني ثقافة العمل ضمن القواعد التي تتوافق مع المحتوى الإنساني.