الثقافة السياسية والصداع المزمن «2»
لو أخذنا العناصر الثلاثة التي حددها أستاذ العلوم السياسية الدكتور صدقة بن يحيى فاضل لقياس الثقافة السياسية أو الوعي السياسي لأي شخص، والتي تتمثل في: معرفة ما هو كائن، ومعرفة ما يجب أن يكون، مع فهم معقول للمفاهيم والمصطلحات والتيارات السياسية الرئيسية السائدة والممكنة؛ وحاولنا تفتيتها إلى مفردات سياسية قابلة للقياس، ثم أجرينا بحثا ميدانيا على أحد مجتمعاتنا العربية لقياس مستوى ثقافته ووعيه السياسي، فسوف نخرج بنتائج تجعل من الصداع المزمن مرضا محمودا.
أحد المرشحين للرئاسة في مصر بعد سقوط نظام مبارك في مصر كان يتحدث في مقابلة تلفزيونية عن الحل السحري الذي لديه لما يعانيه الاقتصاد المصري وعن «أنهار» الأموال التي ستجري في شرايينه بمجرد أن يثق الناس بالحاكم. وعندما ذكر رقما خرافيا لمدخرات المصريين خارج البنوك «200 تريليون دولار» صُعق المحاور وحاول تصحيح الرقم، غير أن المرشح أصر عليه. وعندما سأله المذيع عن سبب عدم سماع مثل هذا الكلام/ الأمل من قبل، أجاب بأنه ربما يقول هذا لكثرة دراساته هو في الشأن الاقتصادي طيلة حياته!!. «رابط للحوار نهاية المقال». لك أن تتخيل بعد ذلك كيف هو حال الوعي السياسي في مجتمعاتنا إذا كان مرشح للرئاسة يخوض في حديثه دون ضوابط علمية، ودون معرفة ما هو كائن، فكيف بما سيكون!!
اعتمادا على دراسة أجرتها الباحثة العمانية هنادي بنت عبد الله المسن، أجابت على سؤال ضمن مقابلة مع جريدة الرياض نشرت في العدد 14671 حول واقع الثقافة السياسية لدى شباب مجلس التعاون الخليجي؛ بقولها: ضعيفة جدا والسبب هو تدني مستوى العمليات السياسية في المنطقة وعدم وجود آليات واضحة من قبل مؤسسات الشباب لتثقيفهم في الممارسة السياسية ودخولهم فيها، ووجدت من نتائج التحليل الرقمي أن المعلومات السياسية المتوفرة لدى الشباب نسب ضئيلة للغاية في معظمها، وبحسب الدراسة أيضاً فإن أغلب أفكارهم السياسية أخذوها من معلومات خارجية وليست داخلية.
للأسف فإن كثيرا من المواضيع الرئيسية في الثقافة السياسية لا تزال بعيدة عن التداول في الأوساط العامة، وبالتالي لا يهتم بطرحها سوى نخبة ضئيلة. فمن ذا الذي يناقش ضرورة الدولة والغرض منها وطبيعة السلطة ومصادر شرعيتها؟! وكم هي المساحة التي تشغلها أسئلة القيم «كالعدالة والحرية والمساواة» على أرض حواراتنا وجدالنا الفكري؟! وماذا نعرف عن أنواع الدولة الحديثة وعن أشكال الديمقراطية التمثيلية؟! وماذا لدينا من ثقافة عن البدائل الاجتماعية والسياسية الممكنة فيما يتعلق بالأقليات الدينية أو العرقية؟! ما مدى اطلاعنا على الثقافة الدستورية في الدول ذات الديمقراطيات الراسخة؟! والقائمة تطول....
إن المرحلة الراهنة التي تمر بها الأمة تتطلب مقدارا كبيرا من الوعي السياسي، إذ بدون الثقافة السياسية الرشيدة لن يتحقق أي تقدم يذكر على أرض الواقع، فقد تتبدل الوجوه ويبقى الأمر على ما هو عليه أو ربما يكون أسوأ.
https: //www. youtube. com/watch?v=uztFZ4jERKw