المتيمون بحب القرآن
هل نحب القرآن؟! سؤال قد يراه البعض في غير محله، إذ لا يوجد مسلم على وجه البسيطة لا يحب كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. المسلمون جميعا يقدسون القرآن ويتبركون به وبتلاوة آياته، ويعتنون بحفظه وتجويده أشد العناية. مدارس تحفيظ القرآن الكريم منتشرة في طول البلاد الإسلامية وعرضها، والمصاحف تزين المساجد والبيوت. أليس هذا كله دليلا على الحب المتأصل في نفوس المسلمين للقرآن الكريم؟
الجواب: بلى، فعلاقة المسلمين بالقرآن قوية على المستوى الشعوري والعاطفي. فعند كل حادث مسيء للقرآن، تنطلق المظاهرات والاحتجاجات الصاخبة استنكارا وتنديدا بذلك الفعل المشين، كما حدث بعد قيام جنود أمريكيين بحرق نسخ من المصحف الشريف في قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان العام 2012 م، وقبلها الاحتجاجات على حرق القس الأمريكي تيري جونز المصحف عام 2010 م.
إذن أين المشكلة؟ ولماذا نطرح سؤالا ظاهره التشكيك في حبنا للقرآن الكريم؟!
الجواب يظهر من خلال العرض على القرآن نفسه في الصور التي يذكرها عن المتيمين به. يقول تعالى في سورة الإسراء: قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا «107» وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً «108» وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا «109». ويقول في سورة مريم: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا «58». ويقول في سورة الزمر: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ «23».
نلاحظ في هذه الآيات وغيرها تفاعل المتيمين بالقرآن تفاعلا يستغرق كيانهم من الداخل والخارج وعلى مستوى القول والعمل. وبريشة فريدة تتقن الرسم بالكلمات في لوحة يهيم بها المتذوقون للفن العلوي الراقي، يرسم الإمام علي صورة تضج بالتفاعل مع القرآن في ليل المتقين. يقول واصفا حالتهم تلك: أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ. فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ. وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ. فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ.
حين نعرض أنفسنا على هذه النصوص، ندرك أن السؤال عن حبنا للقرآن كان في محله، فنحن وللأسف الشديد ما زلنا بعيدين جدا عن تفاعل المتيمين بالقرآن. والسبب كما قال تعالى: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ»، فأين نحن من تلك التلاوة؟!
للحديث تتمة..
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..