ناصبي ورافضي!
عذراً أخي القارئ لعنونتي المقال بتلك المسميات، لكن هكذا أطلق كلاً منهما على الآخر، فهما يعملان بنفس الشركة، ويسكنان بنفس العمارة، وكلا منهما مقتنع إنه على حق، وإن مذهبه الحق، وأنه من أهل الجنة، وأن الآخر من أهل النار. في يوم ما وأثناء الرافضي يهم بالخروج لعمله بعد الظهيرة، كونه يعمل بنظام الوردية، سمع إمرأة هـز العمارة صراخها واستنجادها، فهرول بسرعة إلي أسفل السلم، فشاهد سيدة تبكي وبين يديها طفلة متدلية الرأس، وكأنها قد فارقت الحياة، فصرخ: ماذا حدث!، فقالت « أبنتي تموت، وبها تكسر الدم المنجلي الحاد »، وزوجي بالشركة، وقد اتصلت به، فلم يجبني، فحمل الرافضي الفتاة بسرعة ووضعها بمقعد سيارته الخلفي، وأنتبه قبل أن يغادر، بأن أمها تجري خلفه وهي تصرخ، فركبت بجانب أبنتها، وكل هذا حدث أمام مرآى من النساء والخادمات من سكان العمائر المجاورة، والذين تجمهروا بعد سماع الصراخ.
وصلوا المستشفى، وتم أنقاذ الفتاة بأسرع وقت بعد أن تلقفوها الأطباء والممرضات، وبعد مرور ساعة دخل والد الفتاة مهرولاً ضائعاً كالمجنون، وهو يصرخ « فلانة! أين فلانة! » فقابلته زوجته، وأخبرته إن أبنته بخير، وأن جارهم الرافضي هو الذي أحضرهم وأنقذها، فوقف أمامه صامتاً، فأقترب منه وأحتضنه بقوة، وبكى بحرقة! وهو يكرر « أستغفر الله » سامحني يا أخي، سامحني على كل شيء، إنه الشيطان لعنه الله. بعد أيام، طرقت زوجة الناصبي باب الرافضي، ودخلت بمعية أبنتها وصديقاتها، وهي محملة بالهدايا، كعربون شكر وعرفان، لما مقدمه جارهم، وأنقذ أبنتهم من الموت.
بعد شهور، ومع بداية الإجازة الكبيرة، وفي وسط الأسبوع، أتصلت زوجة الرافضي بعمل زوجها قبل آذان الظهر، فلم تجده، فأخبرت زملائه أن يتصل بالبيت للضرورة القصوى، فوصل إليه الخبر بعد ساعة تقريباً، وأتصل بالبيت « لكن لا أحد يجيب »، فدخل الشك قلبه، فغادر عمله بسرعة، ووصل إلي البيت بعد الظهر، وبينما هو يهم بدخول العمارة، صادف وجود جاره صاعداً السلم، فصافحه، فقال الناصبي: لقد أتصلت بي زوجتي وأخبرتني أن بشقتكم فأر كبير، وأن زوجتك وأبنائك هربوا من الشقة وجلسوا بسلم العمارة، أعتقد إنه نفس الفأر الذي أزعجنا قبل شهر، فدخلا المبنى معاً، فألتقى الرافضي بزوجته وأخبرته: لقد ضيّـفتنا جارتنا وادخلتنا شقتها بعد أن وجدتنا خائفين ومشردين بسلم العمارة، وعملت لنا الغداء، فصلينا عندهم، وتغدينا، بصراحة! شقتنا لا تطاق، والفأر يسرح ويمرح بها، ولن ندخل حتى تقضي على الفار، فدخل الرافضي بمعية جاره الناصبي الشقة، وقد تسلحا بالعصي، وما هي إلا دقائق حتى اصطادا الفأر الدخيل، ورموه بالشارع.
أخي المواطن الغيور: لو أن حصيّة صغيرة دخلت حذائك، لتعكرت حياتك! لو أن قطاً دخل بيتك وأفزع عيالك، لغادرك النوم! لو أن الرياح أسقطت عباءة زوجتك، لسقط قلبك معها! لو أن أحداً تحرش بابنتك، لفقدت عقلك! لو شرخ أحدهم زجاج سيارتك، لفار دمك! لو حملت الخادمة سكيناً وأخافت أهلك، لقامت القيامة وخرجت روحك من جوفك! فما بالك أخي بأجنبي غريب يستبيح أهلك وعرضك ومالك ووطنك!، ويحتل بيتك وشوارع مدينتك ومرافق وطنك؟ فما بالك بأجنبي يضع يده على الحياة المحيطة بك؟ فما بالك بأجنبي يضع السكين على رقبة أبناء عمومتك وجيرانك؟ فما بالك بأجنبي يذبح شركاء الدين والدم والوطن؟ فما بالك بأجنبي يذبح رجال الأمن الساهرون على حمايتك؟ فما بالك بأجنبي ينزل علم بلادك ويدوس عليه بنعليه؟
يا شريك الوطن! الرهان هنا على الوطن والمواطن، فلنكن يداً واحدة أمام الأعداء، ومن اراد بهذا الوطن شراً، فإن لم يكن من أجل شركائنا، فليكن من أجل أنفسنا وأبنائنا وأموالنا، فإن لم تحمل غيرة لشركاء وطنك، فعلى الأقل لأهلك وأبناء جماعتك، وحتى لسيارتك، وحاجياتك! فمهما اختلفنا فكرياً وعقائدياً، فلنأخذ بالرسول الكريم وصحبه الكرام قدوة وعبرة وعضة، فقد كان حسن الخلق مع من يختلف معه، فما بالك بمن يشاركك الشهادة والقبلة والقرآن واللغة والأرض والهواء والرزق وحتى الأسماء، وكل هذا على وطن واحد! ألا يستحق وطنك الحماية والتضحية، فلنتحد أخي، ولنقف ضد الشائعات وكلام المغرضين بالوسائل الإعلامية وغيرها، ولنمنع الشيطان من أن يعشعش في عقولنا أفكار الطائفية المقيتة، فهي كالنار التي تأكل الأخضر واليابس، ولنتعظ بما يحصل لدى جيراننا. فلنرقى، ولنفكر بعقلانية، فديننا الإسلامي يحتوي ويحتضن، والرهان يبقى على الوطن والمواطن، ولنكن جماعة واحدة ضاربة ضد أي فأر يريد بهذا الوطن وأهله ومن يدب عليه شراً.
اللهم أحفظ وطني، وأحفظ أهله وحكومته، من شر الأنس والجن، ومن شر بداخله وخارجه، إنك سميع مجيب، وللمعلومية، هذه القصة حقيقية، وقد حصلت قبل أكثر من خمسة عشر سنة، ومازال أبطال القصة أخوة متحابان في الله، حتى يومنا هذا.