خلاف وإختلاف!
الخلاف تعني عدم الإتفاق والوفاق.. أي وجود عين لمشكلة ما، وإشكال بين طرفين، وهو سلبي منبوذ.
الإختلاف تعني التـنوع والتعدد، أي وجود أكثر من رأي، وبعد في وجهة النظر، وهو صحي وإيجابي محمود.
إلي من يقرأ رسالتي، ومن يستخدم عقله لا عاطفته.. فربما أختلف معك في مسألة ما! أو لا أتفق مع رايك وأشكل عليك، أو يوجد بعد وتباعد في وجهة النظر بيننا، لكن سيدي هذا لايعني أني في خلاف شخصي معك.. فقد أختلف معك في مسألة رقم واحد وخمسة وتسعة، لكن تبقى باقي القضاياً نقاط إلتقاء بيننا.. فإذا وجدت لكلانا كذا وجهة نظر بالساحة، فهذا طبيعي بتعدد طريقة وجود البشر أصلاً، في الموقع واللغة والدين واللون، وهو الأفضل! حيث إن سخونة الإختلاف تؤول نحو ساحة تلاقح الأفكار، فتخلق الإثراء والتجدد والتعدد والحركة الدؤوبة، لتضمن إستمرارية العطاء الفكري، ولو أتفقت كل العقول على رأي ما، لأصبحت على وتيرة واحدة ورتابة باردة، كبحيرة راكدة بلا سمك تحرك مياهها وتثري فيها الحياة.
أما إن كنت تضمر خلافاً نحوي في قلبك حيث لا علم لدي، ولا إفصاح من جانبك يريح قلبك ويضعني في المواجهة الصريحة، ومع مرور الوقت زادت الفوهة وأتسع الشق، وأدى هذا إلي تربعي قمة أعداءك، فهذا إجحاف في حق إنسانيتي، لكونك صاحب عـقل! ولم تنصفني به، لكن أرجوك! لنحوله إلي إختلاف وللنسى الخلاف، لإن في دوحة الإختلاف يظهر كلاً منا مافي جعبته وماهو رأيه.
أنسيت إن في الإختلاف رحمة وعطاء وتغيير وكسر للروتين، ألا تعلم إن شبق الجمال الحقيقي يُستلـذ بوجود الإختلاف، وإن إختلاف الألوان في قوس قزح يزيد نوافذ عيوننا بهجة وأنس، وإختلاف أصابع أيدينا تزيدها مزايا ووظائف، وإختلاف أذواقنا ونكهات طعامنا تزيد من مساحة التنافس والعطاء الإبداعي، وإن تعدد مشارب عقـول البشر تزيدها علماً وفقهاً وثقافة.
عزيزي يامن تختلف مع أطروحتي، أعتبرني أنا الشمس وأنت القمر، أنا أشع حرارة ولوناً أصفر محمر، وأنت تعكس الضوء الأبيض الجميل البارد، وأنا أضئ لكل داب في الأرض طريق حياته نهاراً، وأعطيه الدفء والأمل، وأنت تضفي عليه التأمل والهدوء والسكينة والراحة ليلاً.. هنا سيدي يقع إختلاف كبير في عطاءنا وتنوع في نتاجنا، لكن هذا لايمنع أن نبقى متلازمين ومتحابين في مجرة واحدة، وفي مجموعة واحدة ضمن الأسرة التي تصنع المجتمع المتكامل الذي تسوده الألفة.
أنا لا أنكر إنك لا تؤمن بالفكرة رقم سبعة أو أحدى عشر أو أي رقم من أفكاري ونحلي وميولي، وربما أنا أضمر نفس الشعور نحوك، كإختلاف مذاهبنا، وأختلاف لهجاتنا، وإختلاف لون بشرتنا، وكثير من الإختلافات التي نراها هنا وهناك، لكن ماذكرت لا يحيل ليستحيل أن أكون جارك بالعمارة، أو بالفيلا، وأن يفـصل بيننا جدار واحد يردد صدى قلوبنا، وأن نفترش تراب واحد وتغطينا سماء واحدة، ويلعب أولادنا معاً بالشارع والمدرسة، ويهب علينا نسيم الهواء العليل ليلاً، ويقف العصفور فوق جدارك ليطرب أذني نهاراً.. لما لا يحدث كل هذا! فأنا إنسان مثلك وشريك معك في هذه الأرض والوطن.
هل تذكر رد فعل الرسول لجاره اليهودي الذي يضمر الخلاف المشين والحقد الدفين في قلبه، حيث كان يضع الأوساخ أمام بيت الرسول على الدوام، وعندما فقد الرسول تلك الأوساخ يوماً، شك بإن باليهودي خطب أو سوء، فما كان منه إلا أن زاره وأطمئن عليه، فأستغرب اليهودي وقال له: أنا لا أصدق دعوتك وأترك الأذى في طريقك وتزوني! فقال له الرسول بما مضمونه: خلافك معي هو في قلبك لك وحدك، وأختلاف فهمك بوجود إختلاف بين أدياننا لايمنعنا أن نعود بعضنا بعضا ً، وأن يحفظ كلاً منا ستر الآخر، فأنت إنسان، وجار لبيتي، وأراك وتراني ليل نهار.
سيدي الكريم.. وجود الخلاف في قلب اليهودي، ووجود الإختلاف بين الديانتين، لم يمنع من وجود مشاعر المودة والألفة والأنصهار بينهما، ففي الأخير يعود الجميع إلي إنسانيته روح ولحم وعظم، والحساب عند الله.. فعدم وجود حقد وخلاف في قلب الرسول مع اليهودي، أدى أولاً إلي أحتواء قلب اليهودي، ومن ثم تنقية وتطهير قلبه من الخلاف أولاً، ثم تصديقه بالرسالة المحمدية بأقتناعه بوجود مبدأ الإختلاف ثانياً، ولهذا كله مسبب واحد فقط أدى إلي السبب، وهو «مكارم الأخلاق».