داعش ومُعامل القابلية
كيف يمكن لشخص مجهول الهوية والتاريخ أن يخرج على الناس ويعلن نفسه خليفة على المسلمين وأميرا للمؤمنين فيجمع حوله الأعداد الكبيرة من المهووسين بفكرة الخلافة المستعدين لتنفيذ أوامره دون مناقشة ولبذل أرواحهم قتلا وانتحارا في سبيل الخليفة المزعوم الذي هو في نظرهم سبيل الله؟!
السؤال هو عن قدرة الأفكار التي يُضفى عليها القداسة على تغييب العقل أو تنويمه تنويما مغناطيسيا، فلا يتساءل ولا ينتقد، بل يمتص كل ما يُلقى إليه ويقبله طائعا راضيا دون أدنى مقاومة.
والسؤال عن البيئة الثقافية المنتجة لأمثال تلك العقول المستقيلة التي تعيش خارج الواقع، وتظن أن لا واقع خارجها أبدا، فكل ما عداها لا يستحق العيش إلا أن يتماهى معها سباتا وانغلاقا.
والسؤال عن الأساطير المؤسسة للثقافة الداعشية وأخواتها اللاتي وُلدن قبلها واللاتي سيولدن بعدها، ومدى تغلغلها في أوساطنا نحن المسلمين الذين أصبحنا «مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام».
والسؤال عن الواقع السياسي والاجتماعي المتخلف الذي يجعل من داعش المتحجرة وأخواتها في نظر البعض سبيلا للخلاص وقوارب نجاة.
والسؤال والسؤال والسؤال....
الأفكار المتطرفة لا تنبت وتنمو إلا في أرض معدة لاستقبالها واحتضانها وتغذيتها وتربيتها. قد تنبت شاذة في غير أرضها، ولكنها لا تلبث أن تذوي وتموت. هذه حقيقة ينبغي أن نستوعبها جيدا في فهم داعش والداعشية. فما كان لداعش أن تكون لولا بويضة الأرض التي تهيأت لنطفتها قبل أن تأتي.
لا يمكن أن ينجح هذا الخليفة المزعوم الذي أُرجح أن يكون صنيعة استخباراتية في بيئة سياسية غير مواتية. لن أقول في الغرب، ولكن في أي دولة مؤسساتية دستورية راسخة يتم فيها تداول السلطة بسلاسة وانسيابية وسلمية.
كما لا يمكنه أن ينجح في بيئة ثقافية منفتحة تستوعب الآخر وتؤمن بالتعدد والحوار وإمكان الاختلاف. ولا يمكنه أن ينجح في بيئة تحترم العقل والكفاءة والإنسان بغض النظر عن انتماءاته وهوياته.
المسألة ليست في داعش وما قبلها وما بعدها، لأنها لا تعدو كونها أداة تنتهي صلاحيتها بعد حين. المسألة في مُعامل القابلية للداعشية، مع الاعتذار من مالك بن نبي المفكر الجزائري الراحل الذي اشتغل على مصطلح القابلية للاستعمار.