انتقدوا بحب «1»
لأننا بشر غير معصومين، نحتاج إلى العين الأخرى الناقدة التي تُطلعنا على ما ينبغي تصحيحه من أفكارنا أو ممارساتنا أو رؤانا، بما يساهم في تقويمها ويدفع بنا إلى التطور والارتقاء. فالحاجة للنقد ضرورة لكل من يسعى للتقدم فردا كان أو مؤسسة أو مجتمعا. لذا كان للمعارضة وحكومة الظل في الأنظمة الديمقراطية شأنها الكبير في الرقابة على أداء الحكومة وتوجيه مسارها. كما إن الذين يمارسون النقد الاجتماعي يحظون في المجتمعات الحية بمكانة مرموقة، نظرا لاهتمامهم بالمجال العام، ولحرصهم على رفعة المجتمع وتميز موقعه.
أما في مجتمعات العالم الثالث بشكل عام، فإن الناقد يُصنف في قائمة الأعداء والكائدين والمتربصين بالآخر الدوائر. فإذا كنت موظفا في القطاع العام أو الخاص، وقمت بين الحين والآخر بتوجيه انتقادات لأداء الدائرة التي تعمل بها، فإنك لن تأمن من إضافة اسمك للقائمة السوداء المسماة «الموظفون في الأرض» تيمنا بالمجموعة القصصية «المعذبون في الأرض» للدكتور طه حسين.
وإذا مارست النقد بصفتك عضوا في مجتمعك، فقد ينتهي بك المطاف شخصا منبوذا لا يصغي لمقالك أحد. أما إذا تجرأت أكثر وأبديت انتقادا على المستوى العام، فإنك ربما تواجه سلسلة من الاتهامات ما خطرت على قلب بشر.
حديثنا هنا عن الناقد الذي يؤسس بنيان نقده على الموضوعية، ويهدف إلى الإصلاح والبناء. وبالتالي فهو يراعي مجموعة من القيم الأخلاقية التي تحكم عملية النقد، بحيث لا يتحول النقد إلى وسيلة للنبز والطعن والتسقيط وتصفية الحسابات. فمثل هذا الناقد هو الذي ينبغي أن يُحتفى به ويُشجع، لا أن يُقصى أو يُهمل أو يُقمع.
إن التأمل في الرواية الواردة عن الإمام الصادق التي تقول: «أحب إخواني إلي من أهدى إلي عيوبي» يرشدنا إلى إعادة الاعتبار إلى دور النقد والناقد، حتى نستقبل النقد استقبال الهدية، ونُقرب الناقد منا ليكون الأحب من إخواننا إلينا. في المقابل تضع الرواية مسؤولية على الناقد أن يقدم نقده على شكل هدية جميلة قد اعتنى بتفاصيل تفاصيلها.
هذا هو الخط العريض العام الذي يرسم دور الناقد والمنقود، وللحديث بقية تأتي إن شاء الله في الجمعة القادمة.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.