صرنا من العدم!
في يومٍ من الأيام سألت صديقي حسن سؤالاً عابراً على ذاكرتي فقلت له: ”تخيل بأن المحبة تنتشر بين كل الناس.. ماذا سيحصل؟ ”. صديقي أجاب بلا تردد وكأن سؤالي يشغل تفكيره فقال: ”لعرفنا كيف نعيش، وكيف نفكر، وبماذا يكون وما سيكون لحالنا.. بالمختصر لعشنا بسلام”.
من ذلك اليوم الذي سألت صديقي فيه وإلى اليوم وأنا أفكر في الإجابة وأتساءل في نفسي: ”هل حقاً إن مجرد نشر المحبة في قلوب كل الناس ستجعلنا قادرين على التفكير السليم.. والعيش بسلام؟! ”.
أثناء هذا التساؤل تذكرت موقفاً لأحد الاصدقاء وهو يقول لي: ”أتعرف بأن حياتي تغيرت منذ اللحظة التي غيرت فيها أصدقائي؟ ”، ويضيف صديقي: ”كنت أجلس مع أشخاص لا يهمهم من كان موجود معهم، أغلب أحاديثهم سب ولعن والخ…، الآن الوضع مختف تماماً مع أصدقائي الحاليين أشعر بالمحبة لأني شعرت بتقديرهم لي! ”.
إذن ما دام معاملة واحدة بمحبة غيرت حياة شخص واحد، فماذا لو انتشرت المحبة بين الناس؟! يجيب على ذلك الدكتور ابراهيم الفقي حينما يقول: ”لولا المحبة لضاع الإنسان! ”. وهناك نص جميل في كتاب جامع السعادات يقول بــ: ” أن المحبوب ليس إلا الوجود، والمبغوض ليس إلا العدم، وجميع الصفات الكمالية راجعة إلى الوجود، وجميع النقائص راجعة إلى العدم! ”. إذن المحبة حياة!.
اليوم صار الكره والحقد أوضح من الشمس، صارت المحبة شيء من العفن في مجتمعاتنا، أو كأنها صارت شيء من الماضي، صرنا نشتاق الى المحبة، ومع ذلك نحن من نسب ونلعن ونكره وأشياء أخرى لا حصر لها. صرنا نُحِب لأسباب كحصول على المراتب وحصول على المأكولات والملبوسات وأشياء أخرى أيضاً وكل هذه الأسباب تؤدي إلى زوالنا.. وهكذا نحن في زوال موجودين ولا نشعر بالوجود!.
إذن نحن في حالة عدم لأننا نجيد نشر الكره والبغض بين الناس، للأسف لا نجيد نشر المحبة والتفاؤل بين الناس. اليوم صار الانجاز الذي نفتخر به - للأسف - تعكير مزاج غيرنا بصفاتنا السيئة، لا إنجاز سوى نشر الكره أكثر فأكثر!.
تخيل يا صديقي القارئ بأن الشخص لو أحب الله وأحب ذاته لاستطاع ايقاف كل تلك الصفات السيئة من نفسه، إذ يعني بأن الشخص الممارس للصفات السيئة لا يحب نفسه أصلاً. لندع اليوم إنجازنا يكون زرع المحبة في نفوسنا ثم نحاول نشرها بين الناس. فبادر بزرعها في نفسك لأنها وحدها من ستشعرك بقيمة “وجودك” في الحياة!.