صناعة الوهم!
كثيراً مايهرب الانسان من واقعه المرير الذي يعيش فيه كما يعتقد الى واقع يضن انه افضل او أجمل مما كان عليه وقد يكون سبب هروبه من ذلك الواقع لما يواجهه من ضغوط مادية او اجتماعية او سياسية او نفسية او حتى بدنية، فتراه يعيش الخيال والأماني والأحلام لعلها تستنقذه من تلك الحاله البائسة التي هو فيها.
هنالك من يهرب الى الوهم بنفسه فيعيش الاحلام الوردية ويصنع لنفسه شرنقة يلف بها عقله ويبني قصراً من السراب ويشيد مملكة يكون هو الحاكم المطلق فيها فيتجه الى المخدرات اوالعلاقات المشبوهه، او الانكفاء على ذاته يبحر في محيطات الأماني ويشيد مايريد من بناء على ماء سراب.
واشد من ذلك عندما يمارس اشخاص على فئة معينة صناعة الوهم سواء كانت بوعود بتعديل اوضاع او رفاهية او تنمية او ازدهار، وعادتاً مايمارس هذا النوع من الوهم اناس محترفون في الكذب والتدليس وقلب الحقائق وتغيير المفاهيم من سياسيين واقطاعيين ومجموعة من الطحالب التي نمت على جدران المجتمع واستطاعت ان تتسلق الى اعلى اسقفه، فتنهب احلام الشباب وتستنزف آمالهم وطموحاتهم فيصبحون بعد فترة مجموعة من الركام المحطم الذي لا امل فيه ولا رجاء منه مما يدفعهم الى الوقوع في فخ الجريمة والانتقام من المجتمع.
وتزداد الأمور خطورة عندما يمارس صناعة وبيع الوهم مجموعة ممن يلبس عبائه الوعظ والارشاد والذين يتمسحون باسم الدين ويلفون انفسهم به ويسبغون على فعلهم القداسة والحصانة الدينية فيحولون الشباب من طريق العلم والمعرفه والتقدم الى طريق الارهاب ويزجون بآلاف الشباب للقتال في معارك ليس لهم فيها ناقة ولاجمل ولا أي مصلحة او منفعة وانما تصب لصالح دول كبرى تريد ان تهيمن على المنطقة وتسلب ثرواتها وخيراتها.
وما نشاهده اليوم من ذهاب آلاف الشباب للقتال في سوريا والتضحية بانفسهم وقتل الأبرياء وسيل الدماء التي تهتز لها ضمائر البشرية، والزج بكل تلك القدرات التي تعول عليها الأمه لبنائها في معركة خاسرة، وبوهم انه جهاد وان الحور العين تنتظر المجاهد ما إن يقع على الأرض حتى يسقط في حجرها او ان نزوله الى قبره هو نزول الى مطعم ينتظره فيه رسول الله ليتناولا الطعام سوياً، وللأسف الشديد لا يوجد من يحاسب اولئك الدعاة الذين غرروا بالشباب وبسببهم اريقت الدماء وهدمت الاوطان وشرد مئآت الآلاف ونسفت المساجد والمدارس والكنائس والمصانع، وذهب الصغير والكبير والرجل والمرأه وبسببها صرنا نعيش اليوم حالة من التفكك والإحتراب المذهبي، وكانوا قبل ذلك خرّبوا العراق وفعلوا فيه الأفاعيل والتي لاتزال الى يومنا هذا نيرانه لم تطفأ وحرارته لم تبرد ودمائه لم تجف.
وإن تنوعة تجارة الوهم فمتصدري تلك التجارة الصحف ووسائل الاعلام التي هي اشد فتكاً وضررا إذ تسعى الى تروج بضاعة ليست بأقل فتكاً من المخدرات او الأرهاب فتراها تقلب الحقائق وتغير الوقائع وتبدل الصور وتشيطن من تريد فيصير الحق باطلاً والباطل حقاً ويصير المجاهد ارهابياً والارهابي وقاطع الطرق هو المجاهد والمؤمن، بل يتغير العدوا والصديق بناء على تغير المصحلة والمنفعة، ومن يراقب الصحف والاعلام خلال الثلاثين سنة الماضية يجد انقلاب الصورة مائة وثمانون درجة فكم تحولت دول وانظمه من العدو الى الصديق ومن الخائن الى المؤمن وكم تبدلت وتلونت بكل الوان الطيف المعروفه.
ومن صناع الوهم من يحاول ان يغير العادات والتقاليد للمجتمع المحافظ بحجة التحضر والتمدن الى عادات اجتماعية وسلوكية غريبة عنه من اجل ان يستثمر التغيير فيما يريد من بضاعة او افكار يستطيع ان يسيطر على المجتمع بها حالها حال المخدرات التي يسيطر المروج على الشباب التائه ويستغلهم في مايريد.
انها صناعة الوهم التي تسير بنا كسفينه تبحر بنا الى عالم الخيال فتارة نكون فوق البحر وتارة نكون فوق النجوم وفي نهاية الأمر نصطدم بصخرة قاسية وهي واقعنا لايمكن ان نغيره لانحن ولااحد من الناس إلا باليقضه والمعرفة والثقافة والثقة بالله عز وجل والأخذ بالاسباب «ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم