رابطة المنبر الحسيني ونبض الأمة
إن لكل مجتمع طابع خاص وأفكار ومعتقدات سواء أكانت إيجابية أم سلبية. بالإضافة إلى الهموم والمشاكل التي يحاول أن يجد لها الحلول الناجعة لرقيه وتطوره، ومن هنا جاءت فكرة المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي تحمل بين طياتها بعداً دينياً واجتماعياً. وتسخر جهودها ليكون لها أثرها الواضح في تغيير عادات المجتمع السلبية، حيث تتبنى - أي تلك المؤسسات - قضية معينة وتتولى العمل على تغطيتها من جميع الجوانب لتخرج في نهاية الأمر بأفضل أسلوب في معالجتها. لذا فإن لهذه المؤسسات دور كبير في الإصلاح.
و إن أردنا أن نقسم الإنسان وحاجاته إلى جانب روحي ومادي نجد أن الجانب الروحي يمثّل حقيقة الإنسان وإنسانيته. أما بقية الجوانب فهي جوانب ثانوية يشترك فيها الإنسان والحيوان، أما الحاجات التي ترجع إلى البعد الروحي فبمقدار أهمية البُعد الروحي تكون هذه الحاجات مهمة وأساسية ولا يمكن بحال من الأحوال التنازل عنها.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة». من الأمور التي لا تحتاج إلى تبيان هي وجود مؤسسة أهلية تُعنى بشؤون المنبر الحسيني كافة. ومن هذا المنطلق يتيبن دور المنبر الحسيني وأهميته حيث كان له الأثر الواضح والجلي في كثير من المنعطفات الفكرية والسياسية والاجتماعية والتربوية. لذلك فوجود مؤسسة باسم رابطة المنبر الحسيني بالقطيف والدمام، أصبح شيئا ضروريا في مجتمعنا، حيث تقوم على نشر الوعي في المجتمع وتطوير ثقافة المنبر الحسيني بوجود مجموعة من الخطباء المتمكنين ونخب من الأكاديميين والمفكرين والمثقفين. ومع تطور وسائل الإعلام الحديث والظهور البارز لشبكات التواصل الاجتماعي أصبح لزاما علينا مواكبة هذا التطور لخدمة المنبر وتفعيل دوره في المجتمع.
وحيث أن وسائل الإعلام أصبحت في متناول الجميع حول العالم، استطاعت القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي توسيع نطاق الكلمة الحسينية في أنحاء العالم. الأمر الذي ينبغي قوله هنا أننا بحاجة لتطوير المأتم الحسيني في كافة النواحي التربوية والعلمية والعقائدية والاقتصادية. لذلك ينبغي استخدام هذه الوسائل لحمل الرسالة الصحيحة للإمام الحسين لكل شخص في هذه المعمورة. وباعتقادي أن النقد البناء والسليم للمنبر الحسيني يساهم بشكل واسع على نشر الثقافة الحسينية ويساعد على نهوض الأمة للوصول لهدف هذه النهضة الحسينية. وحيث أن الجمهور الحسيني يتطلع لوجود منبر يساعده للوصول لهذا الهدف السامي والتخلص من مشاكل المجتمع المحدقة به سواءً كانت في الجانب الاجتماعي أو الفكري أو الأسري، فإن تكثيف عقد الجلسات الحوارية مع طبقة مثقفة واعيةٍ لهدف تقييم احتياجات المجتمع يكون أمراً لازماً.
وكذلك فإن وجود خطيب بارع يمتلك أسلوب خطابي مميز يساهم في تحقيق هذا الهدف. في المقابل فإن على الخطيب أن يتفهم ما يتحدث عنه. وعليه أيضاً معرفة طريقة إيصال المعلومة بشكل متسلسل وسريع. فتسلسل الأفكار والأحداث يجعل المتلقي يتفاعل مع الخطيب من ناحية الإدراك والفهم، وإلا فانه سيظل مشتت الذهن أثناء المحاضرة دون أن يجد لهذا التشتت من حل فيترك المأتم أو يُعرض عن الخطيب في نفسه وبالتالي تنفك علاقة الترابط بينه وبين هدف حضوره. وعلى العكس تماماً فحينما يملك الخطيب ملكة الخطابة والأسلوب الصحيح لتوصيل المعلومة بشكل سلس فإن ذلك بالتأكيد سيساهم في تحقيق الهدف المرجو من الحضور. ورابطة المنبر الحسيني بالقطيف والدمام مؤسسة طموحة تحفها شخصيات تمتلك العقل والتفكير الثقافي والعلمي والأكاديمي والديني. وقد أخذت على عاتقها نشر الفكر الحسيني الحديث وما تقوم به من إقامة الندوات والحوارات الحسينية المتنقلة في مختلف المناطق هو دليل سعي هذه الرابطة نحو تطوير الفكر الثقافي والعلمي والحسيني لهذه الامة.
إن مثل هذه الندوات وورش العمل التي يحاضر فيها مجموعة من رجال الدين والشخصيات الثقافية من أكاديميين وناشطين اجتماعيين من منابر مختلفة، يتطلع فيها القائمين على الرابطة إلى الحرص على اختيار هذه العناصر القادرة على إيصال الفكر الحسيني وربطه بالمجتمع من خلال نقاش علمي وتربوي لما يهم المجتمع من قضايا. لذا فإننا بأمس الحاجه إلى تظافر الجهود من كافة الشرائح المثقفة لتضع الحلول لتلك القضايا بحجم الإمكانيات المتوفرة.
فلقد أقامت رابطة المنبر الحسيني بالقطيف والدمام مؤخراً ندوتين حواريتين في كل من مدينتي سيهات وتاروت ضمتا نخبة من الأكاديميين والمفكرين ورجال الدين. وستستمر هذه الندوات الحوارية المكوكية لتصل لمناطق أخرى من المساحة التي تغطيها الرابطة. ومن المتوقع بأن إقامة مثل هذه الندوات سوف تعزز تواجد الرابطة في قلوب الأمة والمجتمع، والأهم من ذلك هو إدراك المجتمع ورجال الدين لدور الرابطة ورؤيتها ورسالتها التي تريد توجيهها للأمة.
وإن وجود فريق عملٍ واعٍ يحمل في روحه وبين أفراده نبضات المجتمع بكل إخلاص وتفانٍ وبروحية فريق واحدٍ، بعيدٍ عن الصخب الإعلامي، على أن يكون قادراً على إدارة مؤسسة تضم نخبة من المؤمنين يعملون في خدمة الامام الحسين لهو شرف لهذه الثلة، شرف يعطي للعمل حلاوةً وجمالاً ونجاحاً معطراً بنفحات نداءات الصلاة على محمد وآل محمد. إلا أنه في الوقت ذاته، يضع هذا الفريق أمام مسؤولية كبرى للوصول للأهداف التي ينادي بها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا ويبصرنا في ديننا وفي تكليفنا وفي مسؤوليتنا، وأن يوفقنا لخدمة محمد وآل محمد صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين وأن يسدد الله خطانا لخدمة مجتمعنا الغالي.