صورة لمواطن من فضاء آخر
ما كان لصورة أن تثير كل هذه الضجة الكبيرة وتؤدي إلى سحب كتاب مدرسي بعد توزيعه لولا تلك الأرضية الخصبة المهيأة لإقصاء الآخر وتجريده من أبسط حقوقه بأوهى الحجج وباسم الدين والمحافظة على نقاء العقيدة.
فالصورة - جزاها الله خيرا - كشفت ما هو معلوم لدينا من استشراء واستفحال الخطاب الطائفي في مجتمعنا، والذي لا يرى في الآخر الشريك في الوطن مواطنا مساويا له في الحقوق والواجبات.
بل ينظر إليه نظرة دونية ازدرائية ذات منطلق عقدي بحت يشرعن كل فعل ينتقص من حقوق الآخر وشراكته.
المسألة ليست في بقاء الصورة أو إزالتها، بل الأهم من ذلك ما سبق الصورة وما رافقها وما يلحقها من نصوص في المناهج التعليمية تنتج الأصوات التي تحمست لإزالة الصورة، والتي رأت في سحب الكتاب انتصارا عظيما وفتحا مبينا.
فالكثير من النصوص الدينية في مناهجنا التعليمية تصر على تفسير الدين تفسيرا أحاديا لا يقبل وجهة النظر الأخرى حتى من داخل المدرسة ذاتها، فكيف برأي من مدرسة لطائفة أخرى؟!
والمسألة ليست في بقاء الصورة أو إزالتها، بل الأهم من ذلك ما سبق الصورة وما رافقها وما يلحقها من ممارسات ومقولات طائفية لا تجد قانونا يجرمها، ولا حسيبا يوقفها عند حدها.
فكيف يمكن مثلا لعضو في هيئة حقوق الإنسان أن يطلق لنفسه العنان ليحرض على طائفة أخرى في حديث ملغوم ليس فيه للحقيقة نصيب، ثم بعد أن يقول كلمته ويفجر قنبلته يمضي وكأن شيئا لم يكن؟! وإذا كان هذا حال من يُفترض فيه الاهتمام بحقوق الإنسان بغض النظر عن انتمائه وهويته، فكيف هو حال من ليس كذلك؟!
والمسألة ليست في بقاء الصورة أو إزالتها، بل الأهم من ذلك ما سبق الصورة وما رافقها وما يلحقها من تكريس لثقافة تمنح لنفسها القيمومة على الآخرين في الدين والوطنية، فإما أن يتماهوا معها وإلا استبيحت حرمة مواطنتهم ليعانوا من التمييز في وطنهم.
كل ما فعلته الصورة أنها وضعتنا أمام حقيقة مرة تتمثل في عمق الهشاشة التي نعاني منها كمجتمع، والتي لا يقبل علاجها التأجيل والمماطلة، خصوصا في زمن الاحترابات الطائفية المتنقلة المعروفة النتيجة سلفا «لم ينجح أحد».
يمكننا مواصلة اللعبة وادعاء عدم وجود تمييز طائفي، وهذا سيفاقم الهشاشة، ويمكننا مواجهة الحقيقة والبدء فورا بتناول العلاج قبل أن يستعصي الداء.
في مقاله «صناعة الطائفية والسلام الاجتماعي» يقول الكاتب محمد علي المحمود متحدثا عن السلام الأهلي: يجب تدعيم هذا السلام بكل المقولات التي تنقض التصورات الطائفية، وبالقوانين التي تُجرّم هذه المقولات وتعاقب عليها. إن ما نفعله اليوم في هذا السياق، هو ما سيعيشه أبناؤنا غدا، فإن أورثناهم السلام الاجتماعي المُدّعم بالتصورات والقوانين التي تُؤسس له؛ فسيعيشون بسلام، وإن أورثناهم المقولات الطائفية التي تشرعن الاحتراب؛ فسيخرج كل منهم هاتفا بمضمون مقولة كالفن: «إن الله يريد أن تُطرح الرأفة والإنسانية جانبا عند الجهاد في سبيله»؛ ليكون كل طائفي ضحية للطائفي الآخر، فيذبح الإنسان أخاه الإنسان على وهم من الأوهام، معتقدا أنه يسير إلى الجنة بأوثق عرى اليقين!