المرضى وجرعات الحب «1»
لا أحد يتمنى المرض، لأنه نقص في الصحة، والنقص ينفر منه الإنسان المفطور على حب الكمال. ولكن المرض شيء لا يمكن الهروب منه، فهو في ذلك يشبه الموت إلى حد بعيد. وهذا ما أشار إليه الإمام علي في قوله: ليس للأجسام نجاة من الأسقام. فكلنا جرب المرض، وإن اختلفت التجربة من شخص لآخر لاعتبارات عديدة لا تخفى، كنوع المرض وشدته ومدته ومدى توفر العلاج له وقدرة الجسم على مقاومته والاستعداد النفسي للتعامل معه وغيرها.
ولأننا خضنا تجربة المرض، وتعلمنا من خلالها ما يحتاج المريض، وما يحب وما يكره، فينبغي علينا أن نتذكر ذلك عند التعامل مع المرضى من حولنا، وأن نضع أنفسنا مكانهم حتى نرتقي بأحاسيسنا ومشاعرنا إلى المستوى الإنساني المطلوب في المعاملة معهم.
المريض بطبيعة الحال يبحث عن العلاج الشافي في مظانه المختلفة، وهو مع ذلك يبحث عن جرعات الحب المصاحبة للعلاج والتي تجعله يتماثل للشفاء بإذن الله بوتيرة أسرع.
جرعات الحب يحتاجها المريض في المؤسسة الصحية من جميع منسوبيها بدءا من موظف الاستقبال إلى الطبيب فالتمريض والعاملين في المختبر والأشعة والإدارة والصيدلية وبقية الأقسام الداخلية وغيرها.
وتختلف جرعة الحب من كل واحد من هؤلاء حسب موقعه، وإن كان بينها عامل مشترك هو حسن المعاملة.
مطلوب مثلا من موظف الاستقبال إعطاء المريض جرعة حب من خلال خدمته بأسلوب راقٍ يحترم مشاعره ووقته ويقدر ظرفه، ومن خلال إرشاده إلى الطبيب المعالج المختص بحالته.
أما الطبيب فمنه تأتي جرعة الحب الأكبر بحرصه على التشخيص السليم قبل وصف الدواء، وبالاستماع للمريض بعقله وقلبه، وبمراعاة حالته النفسية، بل وحتى الاقتصادية أحيانا.
فالطب مهنة من أشرف المهن ومن أخطرها أيضا، لأن الخطأ فيها قد ينهي حياة شخص أو يحوله إلى فرد عاجز لا يستطيع القيام بشؤونه كما يجب. العاملون في التمريض مسؤوليتهم كبيرة جدا في هذا الشأن، إذ مطلوب منهم أن يكملوا عمل الطبيب بدقة ومهارة واحتراف وإنسانية، وأن لا يُظهروا للمريض تبرمهم منه أو ضجرهم من حالته.
ولا نريد الاستطراد في الحديث عن جرعة الحب المطلوبة من كل فرد عامل في قطاع الخدمات الصحية، فهي معلومة للجميع كما نظن، غير إن المشكلة في التطبيق. فكم من مريض يدخل إلى المنشأة الصحية ثم يخرج منها أكثر مرضا بسبب ما يلقاه من سوء المعاملة أو قلة الاهتمام وضعف العناية أو عدم الإنصات له بالشكل الكافي.
جرعات الحب التي يحتاجها المريض لا تتوقف عند حدود المنشآت الصحية، بل تمتد إلى خارجها. فالأهل والأصدقاء والمجتمع بشكل عام مطلوب منهم جميعا بحسب مسؤولياتهم المشاركة في تقديم جرعات الحب للمريض من خلال مواساته وعيادته والتعاطف معه ودعمه نفسيا وتقدير ظروفه.
وما ورد من الحث على عيادة المريض يصب في هذا الصدد. فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله : عائد المريض يخوض في الرحمة. وورد عن الإمام الصادق : من عاد مريضا شيعه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يرجع إلى منزله.
تلك بعض جرعات الحب التي يحتاج أن يتناولها المريض قبل جرعة الدواء.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.