وزارة التربية والتعليم وقرارها المتحيز ضد متوسطة العوامية
تُعد العملية التعليمية إحدى الدعامات المركزية لبناء مجتمع متطور يكون ثمرة تخريج جيلٍ واعِ ينم وفرة معارف وثقافات متنوعة تعود له بالفائدة.
ومن المعروف ملياً حرص وزارات التربية والتعليم في مختلف البلاد على ظهور أبنائها بشكلٍ يتناسب مع ما توصلت إليه تقنيات التعليم والتكنولوجيا في العصر الحديث.
وبالرغم من دوائر الجهل والكبت والتخلف التي تحيط بالمجتمع السعودي، إضافةً للمناهج الميتة، وطرق التعليم المُستهلكة، إلا أنّه مازال المواطنون يشقُّون طرق الكفاح، وفي هذا عُرف عن أبنـاء العوامية وبناتها شغفهم الفذ بالدراسة، فقد خرْجّت هذه المدينة الصغيرة العديد من الأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم على مر السنين، وما زالت حتى اليوم تفخر بمن يبرز منها حاملاً أسمى الشهادات، ويرقى لأعلى المراتب.
وكأيٍ بلاد فنحن لا نُدهش حين نعرف بأن هناك من يُحاول تعطيل مسيرة التعليم في المنطقة، ولكننا نُثار تعجباً حين نعلم بأن من يتسبب في عرقلة هذه الحركة هي وزارة التربية والتعليم ذاتها!!
أجل.. وزارة التربية والتعليم التابعة إليها مدينتي أصدرت قراراً بإغلاق مدرسةِ متوسطة تضم أكثر من 450 طالبا في مختلف المراحل، ونقلهم لمدرسة أخرى ليست في نفس المنطقة، بل تبعد عنها حوالي عشرة كيلو مترات، مع الوضع في الاعتبار أن اﻻعتراض هو على فكرة النقل عينها لا على المنطقة المنقول إليها، ولو كان اختيار المنطقة مدروساً ومُخططاً إليه؛ كون أول ما يصادف الطلبة في ذهابهم هي «مصيدة» نقاط التفتيش على طريق صفوى، والتي عرف عنها بذاءتها ومدى تدني أخلاق العاملين بها.
الغريب أن وزارة التربية والتعليم تلك عُرفت بكثرة إصداراتها للقرارات مع عدم تنفيذها، وما رأينا أسرع من تنفيذ هذا القرار بعد لحظة من إصداره دون التبرير أو ذكر أسبابٍ مقنعة، أو حتى التصرف بتصرف يتناسب مع مُسمى الوزارة التربوي الذي يُفترض أن يكون عزّ أهدافه المنشودة تنمية جوانب السلوك الحسن وتعديل قوامه لدى الأفراد.
* * * *
تناقل البعض أنّ إغلاق المدرسة هو ردة فعل طبيعية بسبب ما يصدر من أبناء المنطقة «الشياطين» ضد معليمهم، وذلك على إثر تصرف بسيط وغير مسؤول من أحد المتهورين الذين لا يمثلون إلا أنفسهم، متناسين ما حدث في جازان وعسير والدمام وحائل وغيرها..، مع اختلاف تصرف الوزارة المتحيز ضد العوامية تماماً، والعاقل لا يستشف من هذا القرار سوى تعزيز بذرة الطائفية التي زُرعت في أنفس المواطنين، وما زالت تُروى حتى اليوم؛ كي تُحصَد ثمارها التي من أهمها بث الفُرقة والمشاحنة والبغضاء حتى لا تصبح على قلبٍ واحد، وعلى يدٍ واحدة ضد الظلم؛ فتنتزع أيّ سلالة فاسدة من جذورها.
و مع استمرار تخبطات وزارة التربية والتعليم اللا منتهية، نجدها خضعت للبلبلة التي أُثيرت في تويتر تحت الهاشتاقين #شيخ_رافضي_على_غلاف_مناهجنا وَ #سحب_كتاب_العلوم_الإسلامية ، فمنعت توزيع الكتب على الطلاب إلا بعد إزالة الغلاف الذي طُبع عليه صورة رجل دين، لا لشيء سوى أنه شيعي المذهب والذي يُصنف أنه ضمن أقلية المذاهب في المملكة، والذي عدّه بعض المتطرفين خارج عقيدة الإسلام، علماً بأنّ المنتمين لهذا المذهب يدرسون مايخالف أصول عقيدتهم دون اعتراض.
إنّ الأمر الذي قامت به الوزارة عزّز لدى البعض فكرة حيازة الدين وتمحوره حول فئة معينة تعتقد بأنها الفرقة الناجية، وهذا على المدى البعيد يولّد آثـاراً أقل مايُقال عنها بأنها مدمرة ومهلكة لوحدة الوطن ولا تساهم إلا في تشتيته وتفرق أبنائه.
عموماً، فضلاً عن تأخير العوامية من ناحية تطوير المناهج وتهميش تحسين الصروح التعليمية غير المتلائمة مع متطلبات التعليم، هاهي الوزارة تضرب حائطا بأوّل ما أُنزل في كتاب الله الكريم ﴿اقرَأ﴾، وأولى أبجديات قانون حقوق الإنسان في إلزامية التعليم ومشروعيته، وتناست كل السلبيات والعواقب والأضرار المترتبة على إيقاف تقدّم 450 طالبا، وتعطيل حصادهم؛ نتيجة عقابهم الجماعي.
الملف الأمني هو مسؤولية رجال الأمن لا الطلاب، وعلى هذا فإن أي إخفاق يتحمل وزره المسؤول عن ذلك، فلماذا يُعاقب طلاب بحرمانهم من حق التعليم بجرم لم يرتكبوه؟!
إلى متى ستسترسل حكومتنا في صرعاتها الجديدة؟!، متى ستستيقظ من سُبات الجهل الذي تغط فيه؟!، ومتى ستعي بأنه «حينما تفتح مدرسة، فأنت تغلق سجنا»، وهم في البلاد يغلقون مدرسة ليفتحوا سجنا؟!!