زراعة الشوك
من الطبيعي ان تشاهد احدهم يقوم بزراعة الفواكه والخضار وحتى الورود، لما لها من الدور البارز في استمرار الحياة على هذه الأرض، ولكن ان تشاهد احداً يقوم بزراعة الشوك فهذا من الأمور الغريبة جداً وتعد امر يخالف المألوف والذي يبعث على التأمل والقلق في آن معاً، فما هي فوائده وقيمته التي تستلزم ان يقوم احداَ بزراعته؟
ربما نستنكر ان يزرع احداً منا الشوك في مكان ما على هذه الأرض، لكننا لا نفعل ذلك عندما يتم زراعة الشوك في أماكن اشد خطراً على المجتمع والعالم، هو تماماً الفكر المتطرف الذي يقوم البعض بزراعته في عقول الناشئة منذ الصغر فيزرع في عقولهم ونفوسهم الافكار المتطرفة والمنحرفة والتي تتعدى القيم الانسانية، فيتم عزل الشباب وحديثي السن نفسياً وفكرياً في بيئة خاصة عن باقي الناس ويتم زراعة الأفكار المسمومة منذ نعومة اظافرهم على معاداة الجميع، وتلقينهم عبارات الفرز الاجتماعي والديني فهذا كافر وهذا مشرك وهذا مرتد وهذا مخالف وهذا ليبرالي وهذا علماني وهذا منحرف وتستحضر لهم كل القيم الاسلامية المزيفة حتى يتم زراعة الحقد والكره في نفوسهم تجاه الآخر.
ويكبر ذلك الشاب ليصبح في الشكل انسان وفي الجوهر اشد فتكاً من الوحش الممسوخ من آدميته فتنمو اشواك الحقد والبغضاء في نفسه تجاه كل من يخالفه الرأي او الفكر والمبدأ، حتى يصل ذلك الحقد الى حالة من العداء المتوحش فيترجم بأعمال عدائية تتجاوز التكفير الى حالة من الاعتداء والقتل والتلذذ بكل تلك الجرائم والكارثة انها تنطلق باسم الدين والقيم.
وما نشاهده من مشاهد بشعة يندى لها جبين الانسانية من قتل وسفك للدماء واغتصاب للنساء وتدمير للممتلكات هو شاهد حي على خطورة تلك الزراعة المسمومة التي غذي بها بعض الشباب حتى وصل به الحال الى ان يتحولوا الى وحوش كاسرة لا تراعي قيم او مبادىء
يقول الإمام علي : «إنَّمَا قَلْبُ الحَدَث كالأرْضِ الخَالِيَة، ما أُلقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبلتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بالأدَبِ قَبلَ أن يَقسُو قَلبُكَ، ويَشْتَغلُ لُبُّكَ » وهنا تكمن الأهمية البالغة للآباء والمدرسين وائمة المساجد والموجهين واصحاب الفكر والقلم على بث روح التسامح والمحبة وزراعة الورود في بساتين القلوب وكما يقول امير المؤمنين علي: « الناس صنفان اخ لك في الدين ونظير لك في الخلق »
يقول الله عز وجل: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » فكان من اهداف الخلق التعارف بين الشعوب واكتساب المهارات التي لدى الآخرين، فلنزرع الحب بدل الشوك لأننا سنجني الخير لهذه البشرية جمعاء!