نحن والإلهام الحسيني
مازلنا ومع هذه الأيام ونحن نعيش في رحاب ذكرى استشهاد الإمام الحسين حسين الإباء حسين العطاء حسين القيم والمثل العليا السامية فإن ثورته لا تزال حية تعكس تفاعل الأمة مع التاريخ في تحرك وعطاء مستمر، الحسين ثورة للإنسانية، وليس لأمة جده لهذا يجب احياء هذه الشعيرة من خلال اهدافه ورسالته الإنسانية.
ولا يزال الناس يرددوا «هيهات منا الذلة» و«الموت أولى من ركوب ألعار» و«لن نركع الا لله» وغيرها من الشعارات التي اطلقها الإمام الحسين في ذلك اليوم البطولي.
ويعتبر موسم عاشوراء من المواسم المهمة والذي يحي فيه شيعة أهل البيت - - ذكرى استشهاد سبط النبي الإمام الحسين كما إن موسم عاشوراء هو تجسيدا للمبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية، وهم يمثلون منظومة ثقافية غنية بالسلوك الحضاري والديني والاجتماعي والأخلاقي.
وإذ نحن نحيي مجالس الحسين ونحي هذه الذكرى الأليمة بكل ما تحمل من معاني قيمة ورسالة ذات اهداف شاملة، يجب ان نستثمر هذه الذكرى لترسيخ الإيمان والخلق والدعوة إلى التسلح بالعلم والأخلاق الفاضلة والثقافة وبالتالي الوعي الحضاري.
فطوال مسيرة الحضارات عبر التاريخ، لم تكن هناك كلمة قادرة على الثبات والصمود والرسوخ إلا كلمة واحدة ألا وهي كلمة قالها الإمام الحسين «إني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي »
هذا هو هدف الإمام الحسين ورسالته لعموم أمة جده النبي الأكرم «صلى الله عليه وأله وسلم» في ذلك اليوم المشهود، والذي نحيي فيه الذكرى في كل عام، يجب ان تكون بمثابة تطبيق لهذا النهج الرسالي الثمين.
بعد هذه المقدمة. نتقدم بخالص الشكر إلى أصحاب الأيادي البيضاء التي تتشرف بخدمة الأمام الحسين في كل عام في المآتم والمواكب الحسينية وكذلك خطبائنا الأجلاء ومضايف عاشوراء المنتشرة في أنحاء القطيف.
بعد هذا كله!!
ماذا اعددنا لهذه الذكرى؟
ماذا اعددنا لهذه الذكرى الأليمة ونحن في رحاب أبا عبد الله الحسين وهو بنهضته ضرب لنا أروع الأمثلة في التضحية والفداء وفي الاخلاق والعلم والمحبة والتسامح والبطولة والإباء والتربية دروساً كثيرة، سطرها سلام الله عليه من خلال نهضته المباركة التي اضاءت لنا شمعة لن تنظفئ على مدى الدهور.
ان هذه الجهود المعطاء من الجميع من هؤلاء الشموع والسواعد العاشقة والهائمة في حب الامام الحسين تدرك مدى أهمية هذه المناسبة وتحاول من خلال مراكزها، التطوير في مستوى الخدمة من كافة الجوانب والوصول إلى الرضا وما يناسب شرف هذه الخدمة.
لا نريد ان نهضم حق أحد تشرف بهذه الخدمة ولا نريد أن نسترسل عن سلوكيات أهل البيت فهي كثيرة ومتعددة. نريد أن نسلط الضوء على بعض السلوكيات الخاطئة والعادات السيئة التي تتعلق بالمأتم والمواكب الحسينية وكذلك بعض المضايف وطريقة الارتقاء بمستوى الخدمة الحسينية التي تليق بمستوى وعظمة هذه المصيبة وصاحبها الذي علمنا إياها من خلال نهضته عدة معاني يجب ان نقتدي ولو بجزء بسيط منها.
نتطرق لعدة نقاط وأفكار مقترحه من نبض المجتمع حول مستوى العطاء الحسيني واثره على النفس وطريقة الارتقاء به نحو مستوى افضل تليق بنا كمجتمع جعل من فكر ورسالة وأهداف الإمام الحسين طريقا نحو الرقي بنفس وعبق الحسين لأنها تهم مصلحة المجتمع عامة.
إن مجالس الإمام الحسين تطورت عبر التاريخ، وما يزال هناك مجال لتطويرها وتهذيبها للتناسب مع العصر والرسالة الحسينية. ومع تطور عصر الاتصالات ينبغي ان يتطور المجلس الحسيني ويصبح مسؤولاً وقادراً على التأثير في المجتمع.
المطلوب من اصحاب المجالس الحسينية أن تكون بمستوى وعي وأهداف المجلس ورسالته.
لماذا لا يكون لهم لجان خاصة متفاعلة ويكون عملها ليس عشوائيا هدفه فقط تقديم الوجبات والخدمة المعتادة التي لم تتطور حتى الآن!!
لا شك أن الإدارة في كل شيء تعد محوراً أساسياً لبقائها، فالسفينة بلا ربان ذي خبرة ودراية يصعب عليها أن تصل إلى الشاطئ بسلام. إن عدم إلمام البعض من الإداريين بفن الإدارة وهذا ما يؤخر الارتقاء بالمجالس الحسينية.
لمادا لا تكون المجالس الحسينية كمؤسسة تخضع لإدارة ولجان متعددة ومتنوعة، تتكون من لجان طبية، لجان إعلامية طيلة الفترة من أجل تهيئة هذا الكادر وتدريبه، فموسم عاشوراء وباقي المواسم بل والمنبر الحسيني ثري بعطائه في كافة المواسم خلال السنة.
كما وأننا نتملك القدرة على ذلك ولدينا شباب معطاء وخاصة في مجال خدمة الإمام الحسين. حيث لاحظنا إن بعض المجالس لديها كوادر كثيرة، لكن ليس مؤهله للخدمة الحسينية لقلة الوعي الثقافي. فعلى أصحاب هذه المجالس مسؤولية كبيرة وأهمها احياء مصيبة الإمام الحسين وباقي مصائب اهل البيت وهي مسئولية أساسية لا اختلاف عليها. لأن المجلس الحسيني مؤسسة دينية تملك موقعاً متميزاً جداً في الواقع الشيعي، وتحمل رسالة كبيرة جداً لها أبعادها العقائدية والفكرية والروحية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
لقد كانت ثقافة كربلاء تقول «الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة» الحسين مدرسة الحسين الثقافة وثقافة الإيثار وثقافة العطاء وثقافة النصيحة وثقافة السلام والحب. وما نلاحظه من فوضى وتزاحم وانتشار غير مبرر للضيافة في اماكن متعددة شيء غير طبيعي. والمواظبة على عدم اتساخ الشوارع والحفاظ على نظافة اماكن الضيافة التي تقدم فيها الاكل والشرب من أكواب الشاي وعلب الأطعمة وما إلى ذلك. مما يسبب تراكم المخلفات في اماكن التعزية وبذلك تعكس صورة غير حضارية.
إن الحسين إنما استشهد للقيم الإسلامية بكافة جوانبها ومنها السلوك الأخلاقي المتمثل في المحافظة على نظافة البيئة. ايضا يجب على أصحاب المجالس مراعاة الدقة في الوقت، ولا يكون هناك تضارب لبعض المجالس مع بعضها والزام الخطيب على المواظبة والحضور في وقته المقرر.
المنبر نبض الامة والأمة هو المجتمع، والمجتمع هو المستهدف بكافة فئاته العمرية وتقسيماته الذكوري والأنثوي وهو يدعو التقارب والتلاحم بين فئات المجتمع كافة وبعدم التغافل عن القضية التاريخية وسيرة واقعة الطف بكل ابعادها فعاشوراء مدرسة البطولة والفداء والقيم والأخلاق، وهناك عدة ملفات شائكة وقضايا عالقة ومستمرة تعترض مسيرة الأمة او المجتمع وأهم هذه القضايا الخاصة بالأسرة والمجتمع لذا يمثل المنبر الحسيني مدرسة غنية تضج بالعطاء الفكري والثقافي، وتقدّم دروسا تاريخية للمستمعين، فهي خلاصة ما استوعبه الخطيب من زادٍ خلال عام.
ويجب ان يكون هناك تلاقح معلوماتي وفكري بين المستمع والخطيب، فعاشوراء مدرسة متنوعة سطرها الإمام الحسين ومن دروسها أن تُعلمنا ان نتحرك ضمن رؤية وأهداف رسمها لنا الأمام سلام الله عليه في كربلاء.
أن للمستمعين دوراً من الحضور في مسيرة إحياء العطاء الحسيني، والاستماع للخطابة الحسينية، ويعتبر الحفاظ على حيوية إحياء هذا الحضور من أهم المسئوليات التي ينبغي على الجميع، كلّ في موقعه، فالمستمع نفسه عليه مسؤولية وكذلك الخطيب، وإدارة المجالس. إن حضور المستمعين في المجالس الحسينية، يتفاوت من منطقة إلى أخرى، ومن مجلس إلى آخر.
ويجب أن يخلق الانسجام والوئام القائم بين المجالس في المنطقة الواحدة، بحيث يتبادل منتسبو المجالس الحضور في المآتم الأخرى بحيث يكون كل مجلس هو مجلس للمنطقة كلها، وليس لجماعة خاصة.
والنقطة الأخرى هي إدارة المجالس فكلما كانت إدارة المجالس تعبّر عن رغبة إرادة الجماهير الحسينية في المنطقة وتتميز بالنظام من جهة، والأخلاق الحسنة والتعامل الراقي بين الجميع من جهة أخرى.
وان يسهم المستمع في طرح ما ينبض به فكره ويبرز أهم المشاكل التي تتصدر أولويات المجتمع. وعلى الخطيب أن يقدم أوراقه للمستمع ويركز على ما يحتاجه المستمع ويتفضل بتوجيه ذلك للجمهور المستمع له، لأننا في هذه الليالي يجب ان نركز على القضايا والمشاكل الأسرية وغيرها التي تحيط بنا من مختلف الجهات.
وان يضع الخطيب استبيان لكل ليلة وحلول لهذه المشاكل بمساعدة جمهور المستمعين مستغلا تواجد فئات عمرية مختلفة، من طلاب وأكاديميين، يفتح لهم محور المشاركة وطرح الأفكار لأن توثيق العلاقة بين الخطيب والمستمع اصبح شيء ضروري ومهم في عصرنا هذا.، بذلك ستكون مجالسنا في توهج وتفاعل من الجميع عندما يكون الخطيب قد أسهم في إعطاء دورا لهذا المستمع والذي حضر ليستفيد ويفيد اسرته ومجتمعه،
ومحاولة ربط المعلومة التي يلقيها الخطيب في الجانب العقائدي والتربوي والعاطفي بما ورد في كتابه الكريم واحاديث النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم ليشعر المستمع بأنه قد أخذها من الأصول والمنابع الصافية وليست تحريضات او اجتهادات شخصية أو تقليدية ما انزل الله بها من سلطان لتكون الكلمة لها أعظم الأثر في النفوس للمعلومة التي يتحدث عنها وانشداد المستمعين نحوها وتركزها في نفوسهم وتفاعلهم معها. فيما عدا يوم العاشر من المحرم الذي هو يوم العزاء ويوم المصيبة التي حلت بأهل البيت . من الامور التي لا تحتاج إلى بيان أهمية المنبر الحسيني والانطلاق في قضايا الحياة غير قضية الامام ع. إن اهمية كل شئ انما هو بقدر ما يؤثر على المجتمع. بهذا المقياس البسيط نجد أن المنبر الحسني له تأثير كبير جدا على المجتمع الموالي لأهل البيت ، وقد صنع تأثيرات سياسية وثقافية واجتماعية وفكرية خصوصا في المنعطفات والأحداث المهمة في التاريخ.
يجب ان تكون هناك هيئة خاصة للمواكب تتفرع الى لجان خاصة تشرف على المواكب الحسينية وموحدة في القطيف، تكون اللجنة منتخبة من الشباب المؤمن المثقف بفكر نبض المنبر من شعراء ومفكرين وأدباء، وتحتوي اللجنة عدة لجان ايضا للنظام، والإعلام، الضيافة، ومن كافة مناطق القطيف على غرار الفعاليات والأنشطة الأخرى عندما تتظافر الجهود والطاقات الحسينية المثقفة تحت لواء حسيني واحد بعيدا عن التشنج والعنصرية، فالحسين بذل مهجته في سبيل العدل والمساواة وسمو الاخلاق.
هكذا نحيي الشعائر الحسينية التي هي صناعة للفكر والحضارة والسلوك الإنساني الراقي هكذا نجتمع تحت لواء الأمام الحسين بالحب والسلام وبسمو الأخلاق وبنظافة قلوبنا وبيئتنا بانسجامنا في مجالسنا ومواكبنا وضيافتنا نبتعد عن التنافس والتشنج والمناظرة لتقوية المجالس الحسينية تمثل الطريق الناجح لبناء الاستقرار الاخلاقي والنفسي للشخصية الانسانية لأن الإمام الحسين فكر انساني وعطاء بلا حدود. فشعائر الله تعالى هي كل شيئ يقودنا ويذكرنا ويدلنا عليه سبحانه وتعالى وتعظيمها دليل على تقوى القلوب.
نسأل الله تعالى أن يثبّت لنا قدم صدقٍ عنده مع الحسين وأصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين ، في الدنيا والآخرة، إنه نِعمَ المولى ونعم النصير.