الأستحمار البشري.. وجهة نظر!
منذ عدة سنوات اثارت سيدة اجنبية الجدل في شمال أفريقيا حينما ثارت عند رؤيتها لعربجي « سائق عربة » يضرب حمارا مستخدما عصا حديدية. تأثرت جدا بهذا المشهد وأعلنت رحيلها النهائي من أفريقيا وعدم الرجوع إليها بسبب الاساءة إلى الحمير وللحيوانات بصفة عامة. تباينت ردود الجماهير ووسائل الإعلام بين مستنكرا لما فعلته هذه السيدة، ورأى بعضهم أن ما حدث لا يستحق رد الفعل هذا، ومنهم من حسد الحمار على وجود من اهتم لحقوقه. وكان موضع اهتمام وسخرية في العديد من وسائل الإعلام لفترة. وفي التقويم الجمهوري الفرنسي، يعتبر يوم 6 أكتوبر من كل عام هو يوم الحمار للفرنسيين.
والمشهور عند الفلاحين العرب إن الحمار يعرف طريق مزرعته لوحده، ويعود محملاً الطعام أو تركبنه بعض النسوة وبدون قائد، ومن الطريف إن الحمار يبتعد عن الحفر التي تعرقل طريقه، فينزاح عنها، وإذا بإحداها صدفة، فإنه يتحاشاها مستقبلاً، وهذا كله وهو بدون « عـقل ».
فالحمار لا يمثل الغباء المعاكس ل« النباهة والذكاء » ولا يمثل مصطلح لأخطاء البشر، وقد أشتق قناع الحمار « الغبي » من الحمار « الحيوان»، الصديق المحترم والمخلص والمطيع للإنسان، ولقد أطلق القرآن الكريم على « الحمار يحمل أسفاراً » كتعبير مجازي كون الحمار أقرب حيوان ملازم للإنسان، وشريك نجاحه ومشاريعه منذ أن وطأتا قدماه الأرض، وصفة حمل الأسفار تنطبق على كل حيوان! فيمكننا قول كالجمل يحمل أسفارا وغيره، ومن المورث الثقافي والاجتماعي، ومن التاريخ، وبحسب صداقة الأنسان للحمار، أطلق على كل من يخطئ من البشر لقب الحمار، فاستعملت ودرجت كلمة الحمار بالشياع، واصبحت كلمة الأستحمار والحمورية بديلة للـ « الغباء ».
أما الإنسان صاحب العقل يخطئ ويقع بنفس الخطأ كل يوم، وهو يمارس الحمورية « الغباء »بحذافيرها وأنواعها، وكذلك يفعل بمعاملاته وعلاقاته الإنسانية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية، والسياسية، والأخيرة هي أكثرها تطبيقاً للأستحمارية الوجودية، لكي يضمن مكانته وسلطته، « أثبات وجود » حتى على حساب غيره، وحتى لو دفعته حموريته لقتل شركائه وبني جلدته وسلخهم وتقطيعهم كما يحصل بالوقت الحاضر بأرجاء المعمورة. وكأنه حقق جواب الأنبياء للخالق " أتخلق فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء.
بكل إنسان نسبة غباء « كونه غير معصوم »، وهي متفاوتة ونسبية، فكما نقول إن « بكل فئة مئة ريال، بداخلها فئة خمسون أو عشرة »، أي أن بكل ذكاء إنسان « فئة غباء متفاوتة » أي نسبة من الأستحمار الحقيقي، وإن انعدمت أصبح الأنسان معصوماً، فعدم وجود الغباء « عصمة »، والنسيان نقص وغباء، والله سبحانه عادل، ولم يخلق الناس أغبياء، بل متساوون، ولديهم العقل، واليوم بكل العصور أربعة وعشرون ساعة.
بالنتيجة الإنسان هو صاحب الإستحمار الحقيقي «صفة الغباء»، ويستهويه ذلك ويسعد به، لأنه متطبع على الحمورية منذ الأزل، ومتكيف مع الوضع، والحمار الحيوان بريء من الغباء الحموري براءة الذئب من دم يوسف.
كم من جدار يخفي خلفه إنسان مستحمر « ربما ذكر أو أنثى »، ظاهره ذكي وباطنه وأثره غبي. وكم من المستحمرين الذين رماهم التاريخ بمزبلته بعد رحيلهم، ولعنتهم الأرض والسماء، بعد أن أقحموا شعوبهم بحروب طاحنة لا تنتهي، وأوقعوا الإنسانية والقوانين بوادي الهلاك، وتركوا بصمات الخزي والعار، وكم مستحمر حقيقي يحمل شهادات عالية ويلبس هندام جذاب! وكم من مستحمر يعلف من تعب غيره حتى يبلغ أشده، ولايحرك ساكنا، وكم من أبن مستحمر أهلك أمه واباه عمراً وجهدا ومالاً، يعلفان عقله وبطنه نهاراً، ويحصدان منه النهيق ليلاً، وكم من مستحمر ظلم زوجته وعياله من أجل نزواته، وكم من مستحمر خسر أمواله وأموال غيره ورمى نفسه وأهله ببحر الفقر.
في الواقع المُرّ أن أغلب « الحمير البشرية » ترمي بأخطائها على شماعة غيرها، ولم تجلب غير الخطيئة، والأمرّ إن غيرها سيصلح ويداوي، ومع تلك الصفعات والدروس وحقن النصح والتلقين، لاتزال تلك العقول بأعلى درجات الأستحمار الحقيقي، إنه غباء مستفحل ومستحمر حتى النخاع، ويبقى كالحمار خلف الجدار، ومع الأسف « واقعنا العربي يعيش حالة مستعصية من الإستحمار الفكري والسياسي والاجتماعي والإعلامي والاقتصادي »
من مقدمة كتابي القادم « حمار خلف الجدار »