هل تحبون أعماركم «2»؟!
«إن من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب!! ».
هذه المقولة للمفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي من كتابه «شروط النهضة» الذي رأى فيه أن الحضارة هي محصلة تفاعل الإنسان والتراب والوقت. التراب هنا يعني الأرض وما فيها من خيرات وثروات، أما الوقت فهو المعلوم عند كل أحد ولو بصورة إجمالية، والمجهول قدرا عند الأغلب بخاصة عند الشعوب التي لا تكترث به كثيرا. يقول بن نبي في نفس الكتاب: «وحظ الشعب العربي الإسلامي من الساعات كحظ أي شعب متحضر، ولكن عندما يدق الناقوس منادياً الرجال والنساء، والأطفال إلى مجالات العمل، في البلاد المتحضرة، أين يذهب الشعب الإسلامي؟ تلكم هي المسألة المؤلمة.. فنحن في العالم الإسلامي نعرف شيئاً يسمى »الوقت« ولكنه الوقت الذي ينتهي إلى عدم، لأننا لاندرك قيمة أجزائه من ساعة ودقيقة، وثانية، ولسنا نعرف إلى الآن فكرة »الزمن« الذي يتصل اتصالاً وثيقاً بالتاريخ. »
مؤلم جدا أن يكون حالنا اليوم «العام 2014»، هو نفس الحال بل 66 سنة، حين قام مالك بن نبي بتأليف الكتاب عام «1948». لم يتغير شيء، بل ربما ازداد سوءا مع ازدياد الملهيات التي تذبح وقتنا وتذبحنا معه ونحن في حبها متورطون حتى النخاع. لقد ابتعدنا عن القيم التي أراد الإسلام أن يغرسها في ثقافتنا والمتعلقة بمكونات الحضارة الثلاثة؛ فلم يعد للوقت عندنا أي قيمة، وكذلك الأمر لأخويه الإنسان والتراب.
من يطالع النصوص الشريفة الواردة في مسألة الوقت والاهتمام به سيجدها من الكثرة والعمق بحيث لو كانت لدى أمة تقدرها حق قدرها لزينت بها بيوتها وشوارعها ومدارسها ومواقع أعمالها، ولغيّرت بها نمط حياتها الرتيب الذي لا يمل من الكسل والتثاؤب.
سأورد بعض تلك النصوص لعلنا نقف مع أنفسنا وقفة صادقة تعيد ترتيب الأولويات في حياتنا:
عن رسول الله : كن على عمرك أشحَّ منك على درهمك ودينارك.
وعنه : إن العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له، فبادروا قبل نفاذ الأجل.
وعنه أيضا: بادر بأربع قبل أربع: بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل مماتك.
وعن الإمام علي : إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما.
وعنه: إن ماضي عمرك أجل، وآتيه أمل، والوقت عمل.
ونختم أخيرا بمقطع من دعاء الإمام علي بن الحسين بخواتم الخير يختص بأوقات الفراغ واستثمارها. يقول داعيا الله تعالى: فَإِنْ قَدَّرْتَ لَنا فَراغاً مِنْ شُغْل، فَاجْعَلْهُ فَراغَ سَلامَة، لاتُدْرِكُنا فيهِ تَبِعَةٌ، وَلا تَلْحَقُنا فيهِ سَأْمَةٌ، حَتّى يَنْصَرِفَ عَنّا كُتّابُ السَّيِّئاتِ بِصَحيفَة خالِيَة مِنْ ذِكْرِ سَيِّئاتِنا، وَيَتَولّى كُتّابُ الْحَسَناتِ عَنّا مَسْرُورينَ بِما كَتَبُوا مِنْ حَسَناتِنا.
للحديث بقية...
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.