تهذيب الشعائر الحسينية
«#تهذيب_الشعائر_الحسينية» عنوان انتشر مؤخرا في بعض الأوساط الشيعية، وشعار رفعه البعض في هذه الأيام معلنا بداية مرحلة جديدة في التعاطي مع الشعائر الحسينية المقدّسة!
وبغضّ النظر عن دعاوى أصحاب هذا الشعار وما أثاروه من اشكالات وانتقادات حول بعض الشعائر الحسينية، فإنّي أريد أن أعلّق على نفس هذا الشعار الذي أصبح عنوانا لعشرات المواقع الالكترونية والصفحات الفايسبوكية، بل تسلّل الأمر إلى المنبر الحسيني بحيث أصبح بعض الخطباء - الكبار - يذكرون هذا الشيء ويدعمون هذا التوجّه!
أوّل إشكال يطرح هو فساد مسمّى هذه الحملة «تهذيب الشعائر الحسينية»، فالشعائر كما ذكر أغلب الفقهاء هي العلامات المعظّمة لأحد أمور الدين أو متعلّقاته، بل ذهب قسم من الفقهاء إلى أنّ الشعائر هي خصوص ما ورد فيها النصّ الشرعي..
فمن يرفع هذا العنوان نوجّه له هذا السؤال: تريد تهذيب ماذا؟ الأمور التي نصّ عليها الأئمة الأطهار ؟ أو تريد تهذيب ما أدرجه الفقهاء تحت هذه العناوين؟
لابدّ من أصحاب هذا التوجّه أن يبيّنوا لنا مفهوم الشعيرة عندهم لنعلم هدفهم الحقيقي، وذلك لأنّنا نسمع مثل هذا الاستنكار من القنوات الاعلامية للمخالفين، فمن يتابع قناة «وصال» أو «صفا» في مثل هذه الأيام يجد نفس هذه الحملة على الشعائر الحسينية!
أمّا إذا كانوا يقصدون من «الشعائر الحسينية» الممارسات التي تصدر من بعض جهلة الناس كاللطميات الطربية والمخالفات الشرعية، فهذه ليست شعائر من أساسها بل هي ممارسات محرّمة لا علاقة لها بالشعائر وإن حاول البعض إلباسها ثوب الشعائر.
حينما نأتي الى الشعائر الحسينية كممارسة تعبدية فمن الواضح أنّها موضوع فقهي، وكما هو معلوم عند كلّ عاقل أنّ مثل هذه الأمور يرجع فيها إلى مراجع التقليد الذين يستنبطون الحكم الفقهي من مداركه ويشخّصون موضوعه..
ولكن في هذا الزمن أصبحت مسألة الشعائر الحسينية خاضعة للأهواء، فكلّ أصبح له رأي وكلّ أصبح يشخّص ما يقوي المذهب وما يضعفه!
من هنا نقول أنّ قضيّة نقد الممارسات الموجودة في الساحة الآن ليست مسؤولية عامّة الناس ولا الخطباء بل ولا طلبة العلم بل هي مسؤولية مراجع التقليد حصرا لأنّها أولّا من المسائل العملية التي يرجع فيها كلّ مكلّف إلى مقلّده، وثانيا لأنّها أمر يخصّ المذهب ككلّ، إذ أنّ الشعائر هي واجهة المذهب وهي بعبارة أخرى وسيلة اعلامية لمدرسة أهل البيت ، فمثل هذا الأمر الخطير لابدّ من الرجوع فيه لحصون المذهب، وقد ورد عن الإمام الشهيد الحسين : «مجاري الأمور بيد العلماء».
غفل أو تغافل أصحاب هذا الشعار أنّ هذه المسألة التي يحاربون عليها قد سبّبت شرخا كبيرا في المجتمع الشيعي وفي البيت الداخلي بين عامّة الناس وذلك بسبب الصورة العدائية التي طرحت بها المسألة منذ أول يوم، حيث أتهم أصحاب «تهذيب الشعائر» عامّة الشيعة تارة بتشويههم المذهب وتارة أخرى بأنّهم عملاء للقوى الاستكبارية وطورا بأنّهم أدوات تستغل من الأعداء!
ومؤخرا سمعنا بعضهم ينسب بعض الشعائر إلى مرأة من أعداء أهل البيت !
مثل هذه الأمور ولّدت ردّة فعل من الطرف الآخر الذين شحذوا ألسنتهم للدّفاع عن أنفسهم وعن ممارساتهم التي يرونها تعبيرا عن حبّهم ومودّتهم لأهل البيت ومن هنا أصبحت الساحة مسرحا للصدام والصراع والأخذ والردّ، وأصبح شهر المحرم موسما للمطاحنة بين المؤمنين وليس للتكاتف والتوحّد.
فالأولى بهؤلاء أن يهتمّوا بتهذيب أنفسهم وترك هذه الأمور لأهل التخصص الذين يعرفون كيفية التعامل مع الساحة واصلاحها دون استدراج البيت الشيعي إلى حرب داخلية المستفيد الأول والأخير منها هو العدو الذي جلس على مقعد المتفرّج.
يبدوا لي ان بعض الجهات التي تلتزم بالتعزيز والترويج لهذا العنوان - والمجهولة الهوية - إنها مستعدّة لأتباع أي سبيل وأخذ أي وسيلة تتخذ للوصول لغايتهم حتى لو كان احدها الكذب!
فبمتابعة سريعة وجدت أنه تمّ بتر بعض الفتاوى والكلمات التي تنقلها تلك الجهات عن العلماء والفقهاء، وكذلك الحال بالنسبة للمقاطع التي تنشرها، وحينما واجهناهم بهذه الحقائق قالوا: سياستنا عدم الرد على ما ننشره من مقاطع والتي تتفق مع أهدافنا وإنما نرجعك إلى الشخص الذي تكلم في المقطع، فلديهم مواقع شخصية ويمكن التواصل معهم"، وهذا الكلام في نفسه مقبول ولكن ماذا إن كان من نشروا جزء من كلامه من المتوفين الأموات؟ فضلاً عما إن كلامه في نفس الجهة التي تناولوها أم كان في جهة مختلفة!.
قد يقول أحدهم انك وضعت ملاحظات على هذا العنوان والذي تناوله بعض من طرحه بغرض الحفظ للشعائر المقدسة مما قد يطرأ عليها من أمور دخيلة - وهي في واقعها خارجة عن عنوان الشعائر - من غير ان تشير الى أي حلول ممكنة في هذه الجهة، ولهذا فيمكن القول بصورة موجزة ان الحلول قد تختلف باختلاف وجهات النظر، ولكن كوجهة نظر قاصرة من العبد الضعيف، أستطيع أن أقول أنّ هنالك ثلاثة حلول،
أولا: الإلتفاف حول المراجع العظام واستفتائهم في أي أمر أو ممارسة تكون محل اختلاف أو سؤال من عامة الناس
وثانيا: الوعي، فالإلمام ومعرفة نظرة الفقهاء للشعائر الحسينية ومفهومها سيجعلنا في حصانة ذاتية قبال أي إشكالات او إشتباهات تكون ضمن هذا المدار
وأخيرا: يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ الشعائر قد تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فربّ أمر يكون متعارف ومألوف في مجتمع ما لا يكون كذلك ضمن مجتمع آخر فلهذا لا يجب أن يكون الأمر محل نزاع،
وفي هذا جواب للسيد الحكيم على سؤال حول احتمالية ترتب التوهين على بعض الشعائر واختلاف المؤمنون في تحديد ذلك فيقول السيد: «التوهين معنى عرفي تختلف مصاديقه من زمان إلى زمان، ومن مجتمع إلى آخر، ولا يكفي فيه مخالفة الشعيرة لذوق بعض الأشخاص، ما لم يثبت أن العرف العام يحكم بذلك» «الموقع الالكتروني».