قضية الطف والإعلام
الملاحظ في عصرنا الحالي في القرن الحادي والعشرين هو الثورة الإعلامية التي نشهدها في العالم والتي لا مثيل لها في عهد البشرية، وخاصة انتشار القنوات الإعلامية بشكل كبير، والسبب في انتشارها أنها توصل الرسالة الإعلامية لأكبر عدد من المشاهدين في العالم، فكل حزب وتيار أصبح له قناة تمثله، وبطبيعة الحال فإن الشيعة ليسوا بمعزل عن هذه الثورة، فحسب آخر التقديرات أصبح لدى الشيعة ما يربو على ستين قناة شيعية من مختلف التوجهات. يبقى هذا العدد ليس ما نطمح له في الفضاء، ولكن السؤال: كيف نستطيع استغلال هذه الفسحة في الإعلام التي لم تتأتى من قبل لخدمة أهل البيت وهداية الناس لمذهب أهل البيت - -، وبالأخص تسليط الضوء على قضية الإمام الحسين يوم عاشوراء؟
قضية الحسين لا زالت ملتهبة
من الملفت في قضية الإمام الحسين - - بقاؤها واشتعالها في قلوب الناس والموالين لأهل البيت خاصة وكأنها مصيبة وفاجعة حدثت هذا اليوم، وهذا مما يدعو إلى التفكر والتأمل في القضية، فالحسين أعطى كل ما يملكه لله فأعطاه الله ما لم يعطه لغيره من البشر. وإن من أهم ما جعل ثورة الحسين مشتعلة إلى يومنا هذا هو الجانب العاطفي، فلم يحكي لنا التاريخ مأساة حدثت للأنبياء أو بني البشر كما حدث لثورة الحسين - - وما جرى فيها من مآسي وفظائع.
لو تعرف الناس على مظلومية الحسين وما جرى له ولماذا خرج وأخرج معه أهله وعرفناها للعالم، فكم سيكون لها من التأثير العظيم؟ من خلال هذا المدخل، يمكن مخاطبة عاطفة الإنسان وتحريكها من خلال وسائل الإعلام الحديثة.
انظروا كيف يستخدم المسيحيون البعد العاطفي بالقول أن المسيح قد صلب، فإنهم من خلال كلامهم يدخلون الى الناس ويحركون عواطفهم للتبشير بالمسيحية، ومن باب أولى - ونحن لدينا قضية الإمام الحسين الذي ضحى بكل ما يملك من أجل الدين - أن نستغل هذا المدخل وهو العاطفة وتبيين ما جرى من مآسي يندى لها جبين الإنسانية في تعريف العالم وهدايته لمذهب أهل البيت .
كيفية التأثير على الناس من خلال الإعلام
في القرن الواحد والعشرين أصبحت الدول العظمى تبحث عن وسيلة غير مكلفة من أجل السيطرة على العالم من غير الدخول في حروب عسكرية وإعداد الجيوش، هنا جاء استخدام «القوة الناعمة» وأحد مصادرها هو الإعلام، فالولايات المتحدة هي أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم «». وهنا أيضا يأتي دورنا وكيف نستطيع إيصال قضية الإمام الحسين - - بالطريقة المثلى التي تشد أنظار العالم، وكيف نستطيع صنع رأي عام عالمي.
يقول آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي - قدس سره - في كتابه الرأي العام والإعلام: «تساهم الصورة مساهمة كبيرة في الترويج للرأي العام، فهي خير معبر عما يريد صُنّاع الرأي العام، واليوم أصبحت الأفلام السينمائية هي الوسيلة المثلى للترويج والدعاية وتكوين الرأي العام» «».
وبالفعل فإن المتابع يجد أن المسلسلات أو الأفلام الوثائقية لها تأثير كبير في نفوس الناس واستدرار عواطفهم كما فعل اليهود باختلاق قصص عن المحرقة وجعل العالم يقف بجانبهم، ولكن الفرق أننا نمتلك قضية محقة من أجل إيصال الدين الحق للناس كافة. ورأينا في السنوات القليلة السابقة ما حدث في العالم العربي بما اصطلح عليه بـ «الربيع العربي» حيث استُخدمت وسائل التواصل الاجتماعي وأحدثت فوضى وحروب وتغيرات لم نكن نتوقعها، وكان المؤثر الرئيسي هو الإعلام. وهنا يأتي سؤال وهو: كيف يمكننا التأثير على الناس بشكل أكبر؟
يقول سماحة آية الله السيد أحمد الشيرازي في محاضرة له حول الإعلام: «إن الإعلام الغربي يستعمل الطرق الذكية في المجال الشيطاني، فلماذا لا نستعمله في المجال الحق؟» ويكمل سماحته قائلاً: «فمثلا: الإعلام الغربي يستفيد من المؤثرات، وإيجاد المؤثرات، فيصنعون شخصًا في الإعلام ويكبّرونه ويكون محبوبًا بين الناس ومن خلاله ينقلون أفكارهم إلينا». وفي ذكرى الأربعين للإمام الحسين - - نرى أن الإعلام الغربي يحاول بشتى الطرق عدم ذكر خبر أو صورة عن الأعداد الضخمة في أكبر تجمع بشري في العالم، ويصرف الملايين من أجل التعمية على ذلك، لأنهم يعرفون أن قضية الحسين تشق طريقها إلى العالم مخترقة الجدر.
من أجل قضية الحسين، يجب أن نوظف الأموال والجهود والأقلام والصحف والأفلام الوثائقية بحيث تكون على مستوى عالمي، وأن نحيي الشعائر في كل دول العالم التي يقطن فيها شيعة أهل البيت - -، إننا نمتلك الإمام الحسين وبه نستطيع أن نهدي كل العالم إلى مذهب أهل البيت، فحري بنا أن نشحذ الهمم ونجمع الطاقات، فأمة عندها الحسين لا تموت.