رُهاب الآخر
أعرف وتعرفون أشخاصا يعانون من الرهاب أو الفوبيا في صورة من صوره؛ مثل رهاب الحيوان «zoophobia» حيث يخاف الشخص من حيوان معين كالفأر أو القط أو الأفعى مثلا، ورهاب الأماكن المغلقة أو المفتوحة أو المرتفعات وغيرها. البعض يصاب بالرعب لو فكر في صعود طائرة، أو حتى مصعد زجاجي، والبعض يغمى عليه لو رأى قليلا من الدم يسيل أمامه.
الرهاب مرض نفسي، قد يتم تعريفه على أنه خوف زائد وغير مبرر ومستمر من شيء أو ظرف أو وضع حياتي معين. من أنواع الرهاب غير المتداولة كثيرا برغم شيوعها وانتشارها ما يمكن أن نسميه «رهاب الآخر» والذي يسمونه الزينوفوبيا xenophobia، ويعني الخوف الشديد غير المبرر من الآخر الذي يعد أجنبيا أو غريبا أو دخيلا. الأعداد المتزايدة من المهاجرين إلى أوروبا وأمريكا أحدثت نوعا من الزينوفوبيا لدى البعض. وكما تقول وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق مادلين أولبرايت في كتابها «الجبروت والجبار THE MIGHTY & THE ALMIGHTY» «إن لقدوم المهاجرين في أي مجتمع تأثيرا على إحساس البلد المضيف بنفسه. ففي الولايات كانت كل موجة متتالية من الهجرة تولد مخاوف من أن تضعف الهوية الأميركية أو تُفقد. وقد أطلق الارتفاع الأخير لعدد من الشعوب الآسيوية واللاتينية مثل ردة الفعل المتقلب هذا، لكن التكيف أصعب في أوروبا التي لم تعتد بلدانها كثيرا على استيعاب الأجانب».
قد يكون الخوف على ضعف الهوية أو اضمحلالها مبررا عند مستوى معين، ولكنه يتجاوز ذلك في كثير من الحالات ليدخل تحت الزينوفوبيا. وهو ما تصنعه أو تستغله بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب لتكسب أصواتا في الانتخابات، لأنها تخاطب الغرائز وتؤجج العواطف. مثل هذه الأحزاب لا تملك في العادة رؤية عميقة وتحليلا واسعا للأمور، وتعاني من شح البرامج العملية. ولذا فإنها تكتفي بالتبسيط والسطحية عبر إحالة كل المشاكل المستعصية إلى عامل واحد يتمثل في المهاجرين الأجانب. المفكر والفيلسوف الفرنسي البلغاري تزيفتان تودوروف حاول في كتابه «الخوف من البرابرة - ما وراء صدام الحضارات» أن يقدم مقاربة لعلاج الرهاب الذي يجتاح أوروبا من ازدياد المهاجرين المسلمين، وخطرهم المحتمل على الهوية ومنظومة القيم الأوروبية. يقول في كتابه الضخم الذي يرد فيه على مقولة حتمية صدام الحضارات لصاحبها «صمويل هنتنغتون»: «إن الخوف من البرابرة شعور يوشك أن يجعلنا نفسنا برابرة». ويقصد بالبرابرة أي الأشرار المفترضين.
يرى تودوروف ترى أنه ينبغي علينا «أي الغرب» أن نكون على بينة ووعي تامّين بهويّتنا، ليس من أجل تمييز أنفسنا كأعضاء في جماعة ما، بل لنكون أكثر قدرة على القيام بخطوة إلى الوراء، وتأمُّل الثقافات الأخرى وأخذها بعين الاعتبار. ويرى أيضا أن الشرط المسبق لاستيعاب الآخر هو أن تتوقَّف النخب الغربية عن اعتبار نفسها المجسِّد المطلق للحقّ والفضيلة والنظام الكوني، كما يجب أن تكفّ عن التعالي وازدراء قوانين وأحكام الآخرين.
الديمقراطية من وجهة نظره هي الحل، وليس محاولة فرض الرأي أو النموذج على الآخرين. يقول: لا تلغي الديمقراطية نهائيا النزاعات الداخلية، لكنها تقدم لنا الوسائل لإدارتها بطريقة سليمة.
وهو يدعو إلى الحلول العملية بدلا من حفلات العلاقات العامة قائلا: لا يكفي أن نعبر عن حسن النوايا أو أن نتغنى بفضائل الحوار.
في عالمنا العربي والإسلامي نعاني من رهاب الآخر الديني أو المذهبي أو الإثني أو العرقي، ولكننا نجيد الهروب من المواجهة بتحميل الفريق الأضعف في المعادلة المسؤولية العظمى. وتساهم في ذلك بعض النخب المثقفة بكتاباتها التي لا تضع يدها على الجرح، بل تفتش عن مكان آخر تنكأ فيه الجراح.