أن نحب النجاح
لا أحد يحب الاقتراب من الفشل، لأنه نقص، والإنسان مفطور على حب الكمال. الكل يعشق النجاح، ويتمنى أن يكون مع الناجحين. وكما يقال فإن الفشل له أب واحد يتيم، أما النجاح فله ألف أب، بل أكثر، فالكل يسعده أن يضم النجاح إليه ولو بالتبني.
أيا كان موقعك في الحياة، تاجرا أو موظفا أو طالبا أو أي شيء آخر، فأنت تطمح للنجاح وتتطلع إليه؛ غير أن هذا الطموح والتطلع لن يلامس أرض الواقع إلا إذا عرف الإنسان قواعد النجاح والتزم بها. فالأخذ بقوة بالأسباب الموصلة للنجاح هو ما يوصل المرء لمبتغاه. أما الركون والاستسلام إلى أحلام اليقظة، فلا يزيد صاحبه إلا إحباطا وخيبة. يقول د. فيليب سي ماكجرو في كتابه «استراتيجيات الحياة»: «عندما تختار سلوكك، فإنك بذلك تختار النتائج، وكلما كانت اختياراتك أفضل حصلت على نتائج أفضل، وكلما كان سلوكك أفضل، حصلت على نتائج أفضل، ولكن إذا حدث عكس ذلك، وإذا لم تفعل شيئا بناء، فلن تحصل على شيء مفيد؛ لأن الحياة تكافئ الأفعال».
النجاح لا يهبط على الإنسان اعتباطا، بل هو حصيلة تفاعل الحلم مع التفكير الاستراتيجي والتخطيط وحشد الطاقات والتركيز على بلوغ الهدف والإصرار على تجاوز العقبات وعدم الاستسلام لليأس. قصة سيكيرو هوندا مؤسس شركة هوندا المشهورة انطلقت من حلم شخصي له وهو لا يزال صغيرا بأن يملك سيارة صغيرة. سيكيرو هوندا ولد في عائلة فقيرة، وكان طالبا فاشلا بحسب المقاييس المدرسية التقليدية، فترك مقاعد الدراسة وعمره 15 عاما. لكنه قرأ ذاته بشكل أعمق، فاكتشفها بصورة أفضل، وكانت تلك البداية. إنه من الأشخاص الذين يحبون التعلم بالممارسة والتجربة والخطأ، يضاف لذلك عشقه للسيارات والآليات. يقول عن ذلك: لقد تسمرت أمام أول سيارة رأيتها، وأعتقد بأن هذه اللحظة ولدت لدي فكرة اختراع سيارة من تصميمي على الرغم من أنني كنت ولدا فاشلا في تلك الأيام.
عمل في محل لتصليح السيارات في طوكيو لمدة 6 سنوات، ثم افتتح محلا لذات الغرض في العام 1928، وحصل في نفس السنة على براءة اختراع لتصميمه مكابح معدنية للسيارات، فدخل عالم الابتكار، وسجل أكثر من 470 ابتكارا وأكثر من 150 براءة اختراع باسمه. ثم أسس مصنعا صغيرا عام 1938 لتصنيع جزء صغير من أجزاء السيارة Piston rings لكن زلزالا دمر مصنعه تماما في العام 1945. لم يستسلم هوندا للأمر، فدخل سوق الدراجات النارية نتيجة الحاجة، لأنه عانى من انقطاع البترول ولم يستطع قيادة سيارته. قام بربط دراجته الهوائية بمولد صغير يعمل على الكيروسين الذي كان متوفرا آنذاك. ثم لما وجد طلبا متزايدا في السوق على ذلك، أسس شركة هوندا وحصل على براءة اختراع لتصميم الدراجات النارية. وبعد نجاحه في هذا المجال قرر دخول عالم السيارات في العام 1962 لتحتل سيارته «أكورد» في العام 1993 أفضل مركز مبيعات للسيارات في أمريكا.
عندما تسلم دكتوراة فخرية من جامعة ميتشيغان التقنية قال: عندما أنظر إلى الوراء، أحس بأنني لم أحصد سوى أخطاء سلسلة من الأعمال الفاشلة، والكثير من الندم. غير أنني في المقابل فخور بما حققته، وعلى الرغم من أنني قمت بالكثير من الأخطاء، واحدا تلو الآخر، لكن ليس هناك خطأ أو فشل تكرر مرتين. لذلك أؤكد لكم أن النجاح يمثل 1 في المائة من عملنا الذي ينتج عن 99 في المائة من فشلنا.
النجاح متاح لكل من يسعى إليه، أما الذي يكتفي بالتمنيات الفارغة المغرمة بالوسادة الكبيرة، فلن يغادر سرير فشله أبدا. فالمسألة كما قال تعالى مستنكرا على أولئك الذين يظنون أن الإنسان يملك ما يريد بمجرد التمني: «أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى». إنها دعوة للسعي نحو النجاح، فالحياة تكافئ الأفعال.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.