التفكير بحب «2»
الممارسون للتفكير بحب هم الذين تمكنوا من ابتكار الأفكار الإبداعية التي أحدثت فاصلا بين ما قبلها وما بعدها. كتاب «أفكار سبع هزت العالم» للمؤلفَين: نيثان سبيلبرج وبرايون أندرسون، يشرح أفكارا استثنائية توصل لها مبدعون مارسوا التفكير بصورة مختلفة عن الآخرين، غيرت الكثير من المفاهيم المستقرة، وزحزحت رؤى ونظريات قديمة حكمت العالم قرونا طويلة. جاء في مقدمة الكتاب: «من الممكن اعتبار المشاركين الأفراد في تطوير وتوضيح التفكير العلمي على مدى 500 عام مضت ضمن أعظم الثوريين وأكثرهم نجاحا في العالم. لم تقع الثورات التي قادها هؤلاء الأفراد بين ليلة وضحاها. بل إنها تطلبت في حالات كثيرة عقودا إن لم يكن قرونا لاستكمالها. ومع ذلك، فقد أدت أعمالهم إلى ظهور أفكار ومفاهيم جديدة عن العالم والكون ومكانة البشر فيهما. »
إن شخصيات مثل كوبر نيكوس وجاليليو ونيوتن وآينشتاين وماكس بلانك وفيرنر هايزنبيرغ يجمعهم ناظم واحد هو عشقهم للتفكير الإبداعي الذي لا يعيش إلا خارج صندوق التفكير الميسور. هؤلاء وغيرهم من المفكرين المبدعين لم يحققوا إنجازاتهم من فراغ، وإنما من خلال عملهم الدؤوب وإصرارهم العنيد وإرادتهم الفولاذية وإيمانهم العميق بقدراتهم الخلاقة وإعمالهم للخيال المبتكر. وهذا ما نريده أن يتوفر في الأجيال الشابة في مجتمعاتنا حتى نخرج من دائرة التخلف المغلقة المحيطة بنا من كل جانب، وحتى نتمكن من مشاركة المبدعين في صنع المستقبل.
لا شك أن الطريق أمامنا طويل جدا، ولكن علينا أن نبدأ الخطوة الأولى اليوم وليس غدا، فالوقت لا يجامل أحدا. هناك الكثير من معوقات الإبداع التي ينبغي العمل على التخلص منها، بعضها يعود لأسباب شخصية، وبعضها لأسباب اجتماعية كما يذكر الدكتور عثمان الخضر في كتابه «التفكير أساليب ومهارات». من الأولى يذكر: الخوف من الفشل، الخوف من النقد، المسايرة الاجتماعية، عدم تحمل الغموض، مقاومة التغيير، ضعف الحصيلة اللغوية، عدم الثقة بالنفس، مسايرة المألوف، التسرع، الاعتقاد بأن هناك حلا واحدا لأي مشكلة. ومن الثانية: التعليم التقليدي، التنشئة الأسرية الصارمة، المشكلات الأسرية، تجاهل المبدعين وعدم تشجيعهم.
من وجهة نظري أن ممارسي التفكير بحب هم من يركز أكثر على إزالة المعوقات الشخصية بشكل أساسي، لأنها تقع تحت دائرة نفوذهم، مما يمكنهم من استثمار قدراتهم العقلية بصورة أفضل. للعلم فإن المخ الطبيعي «به حوالي 100 مليار خلية عصبية. يتصل كل منها ويتواصل مع ما يصل إلى 10 آلاف خلية أخرى. وتشكل هذه الخلايا مجتمعة شبكة معقدة تضم ما يقرب من 1 كدريليون «رقم عبارة عن واحد وإلى جواره 15 صفرا» وصلة». إنه «أعقد شيء اكتشفه العالم» بحسب وصف جيمس واطسون الذي حصل على جائزة نوبل لإسهامه في اكتشاف الحمض النووي.
وزنه يعادل 2% من وزن الجسم، ولكن يمكنه أن يغير العالم حولنا حين نحتضنه بحب.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا