انعكاسات التطور على الواقع الانساني
إن السؤال عن قيمة الإنسان الحقيقية في هذا الكون سؤال مهم ومشروع. لأنه قد نعتقد للوهلة الأولى أن جواب هذا السؤال بديهي ولا يحتاج لجهد، لكن ما إن نتأمل جيدا في ماوراء طياته نكتشف ما يحمله من تعقيد وتشابك وتضاد لمختلف المعاني المادية والمعنوية.
قدم كل من العلوم الطبيعية والأديان، وكذلك الفلاسفة تفسيرات متباينة فيما يختص بقيمة الإنسان وجوهره. فبعض هذه التفسيرات صورت الإنسان في هذا الكون كعنصر مادي بحت، وأخرى اعتبرت وجوده الفعلي «المادي» محلا للشك، كما أن هناك من جمع بين الجوهر المادي والمعنوي للإنسان، باعتبارهما عنصران يكمل كل منهما الآخر. وعند أخذ هذه التفسيرات المختلفة بالاعتبار نجد أن لكل منها نتائج وعواقب على واقع الانسان حاضرا ومستقبلا، وربما ماضيا كذلك.
بعد العديد من المواقف والنقاشات في مختلف الأماكن، ومع مختلف الأشخاص انتهى بي كل من عقلي وعواطفي ببعض التساؤلات البريئة التي صدرت مني كشخص ليس بباحث ولا عالم، وإنما مجرد انسان يتأمل هذه الدنيا من زاويته المتواضعة؛ لذلك قد يكون بين هذه الكلمات ما يعتبره البعض تخبطا أو لاعقلانية، وربما هرطقة.
كيف يقيم هذا العالم البائس - بما تحمله هذه الكلمة من معنى - الانسان؟ إنه عادة ما يقيمه بناء على قيمته المادية، بناء على ما يملك، بناء على سعة نفوذه، بناء علي قوته وقدرته على البطش بأقرانه الذين هم أقل منه قوة. إن هذا العالم ببساطة كان منذ الأزل وحتى الآن يركع للأقوى ويعظمه، بل ويصنع له الأمجاد والبطولات على حساب المساكين والضعفاء.
إن هذه المأساة تفاقمت في ظل بروز نظرية التطور وما انبثق منها من نظريات كمحور ومنظار أساسي للنظر إلى طبيعة ليس البشر فحسب وإنما الكون بأكمله بتجريد بحت عن كل ما دون آليات التطور وتوابعها، وهذا بحد ذاته هو ما ساهم في تحفيز الكثير من النزعات الشيطانية عند البشر كما يشير إلى ذلك السيد هادي المدرسي: “… فقد أثارت الدارونية، والنظريات المستندة إليها، في الانسان شهوة الجنس، وشهوة السيطرة، وشهوة التملك، وليس أدل على ذلك من الحروب الطويلة التي التهبت، بعد أن دخلت الدارونية منطقة اللاشعور الانساني، وأخذت تدفعه إلى الاستعمار والاستعباد، والإبادة، باعتبارها «ضرورات حياتية» يفرضها منطق الطبيعة، على الجنس البشري الممتد على كرة التراب! «١» ” بشكل أوضح: إن كل ما سبق هو عبارة تراكمات لما روّج له أقطاب التطور من مفهوم بقاء الأقوى ليس على مستوى الحيوان فقط، وإنما حتى بين بني البشر أنفسهم. ونتيجة كل ذلك تتلخص في أنه: ”.. دفعت هذه العقيدة الدارونية، الشعوب، والسلطات إلى اتخاذ الموقفين التاليين:
1. الاعتماد على قاعدة «ضرورة الحرب» كطريق طبيعي للتطور ولو كان على حساب تقدم، أو بقاء الشعوب الأخرى.
2. قيام التكتلات العسكرية والسياسية، التي تزيد من قوة امتلاك «وسائل البقاء» مما تعمل بطريق مباشر أو غير مباشر إلى بسط «موائد» الحروب بين الشعوب باعتبارها ضرورات حياتية يفرضها منطق الأحداث. «١» ” يمكننا باختصار القول بأن رواسب هذا “التطور المادي” أنتجت لنا عالما يتطور ماديا بمرحلة لينحط أخلاقيا ومعنويا بمراحل.
وجب علينا من باب الإنصاف أن نشير إلى أننا لا ننكر الدور الإيجابي لنظرية التطور في العديد من المجالات العلمية والحياتية، وإنما نطرح ما استنتجناه من “الآثار الجانبية” لهذه النظرية وبعض النظريات المستندة إليها. كذلك أرجو من القارئ العزيز أن يقدر أن ما كتب أعلاه يعبر عن وجه نظر غير علمية، قد يعبر عنها بأنها مجرد تساؤلات و”فضفضة” لا ترقى إلى الطرح العلمي.