وزير الدفاع ووزير التعليم والموقف المسؤول
من الطبيعي في أجواء الحروب، أن يعيش أي بلدٍ من البلدان في ظل الحرب، في ظل التحشيد السياسي والإعلامي والثقافي، الذي يوظف الممكن من مفردات اللغة والثقافة والسياسة... الخ، وهذا ما عاشته المملكة بلا شك في الأيام القليلة الماضية في أجواء الحرب الراهنة، وما لازال مستمراً بالطبع حتى اليوم.
وهذا التحشيد الإعلامي والثقافي والسياسي له بالطبع أهدافه ودوره - وفق تقديرات المسؤولين - في تحقيق انتصارات أو تحقيق نقاط لصالح بلدٍ يعيش في ظل احترابٍ مع أطرافٍ خارج الحدود، ويسعى في نفس الوقت لحفظ أمنه واستقراره الداخلي ولحمته الوطنية. وهنا في الطرف الآخر، يأتي الناس داخل الوطن الواحد، بسبب تنوع وعيهم وفهمهم وميولهم وتناقضاتهم وغرائزهم وانتماءاتهم الفرعية المناطقية والدينية، التي قد تبرز في أجواء الحرب، بانعكاسات متفاوتة ومختلفة، قد تتفق وقد تصل حد التناقض بشدة. وهنا قد يختلط الحابل بالنابل في أفكار وتصورات وفهم البعض، ما قد يصل لدرجة الاضرار بالوطن ومصالحه ولحمة ووحدة مواطنيه، وهنا مربط الفرس في هذا المقال.
ويبدو من خلال تتبع بعض مفردات الإعلام في الفترة الأخيرة الراهنة في هذا الظرف الخاص، أن المملكة قد حاولت عبر إعلامها في ظروف الحرب الراهنة، تحييد الصراع على أرض الواقع مع بعض القوى الماثلة في الخارج في أرض اليمن من جهة ومع الطرف الثالث إيران من جهة أخرى عن الحالة المذهبية، بالنأي إعلامياً عن بعض المفردات التي يمكن أن توظف في هذا الصراع، والتي لا بد أن تلقي بظلالها السلبية على التفاعلات البينية في النسيج الإجتماعي داخل المملكة. فبرزت بعض المصطلحات والعبارات البديلة، التي ربما لم تستخدم بهذه الكثافة من قبل - كما أعتقد -، ما يوحي بتحاشي متعمد لمصطلحات حساسة مثل «رافضة» «شيعة»... الخ، التي قد توحي بمذهبية الصراع خلافاً للواقع، فكثر استخدام مصطلحات مثل مصطلح «الفرس»، وظهرت عناوين في الاعلام مثل: «الفرس وعقدة الكراهية للعرب» و«الأحواز تنتفض في وجه الفرس بثورة مسلحة» و«التحالف العربي: «سنواجه الفرس فى اليمن» ». رغم إمكانيات توظيف مصطلحات مثل «الرافضة» و«الشيعة» في التحشيد الإعلامي والجماهيري، في بلدٍ تقطنه أغلبية من السنة، في قبال وجود قوة مناقضة إقليمية تستفيد من توصيفاتها وأدبياتها الدينية بطريقةٍ ما.
وعلى كل حالٍ، بعيداً عن قبول البعض لهذا التقييم أو عدمه، وبعيداً عن تقييمات ما يجري، فسيبقى من الخطأ الفادح من جميع الأطراف داخل هذا الوطن، جر أي تأزمٍ خارجي بين المملكة وأية قوة أخرى خارج حدود هذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعاً، من ساحته الواقعية السياسية والعسكرية والمصلحية التي تحكمها تقديرات معينة مرتبطة بحسابات القوة والمصلحة التي يراها ويدرسها ويقدرها المسؤولون، لتحويل ذلك الصراع السياسي والعسكري الخارجي، لاحتراب وصراع ديني مذهبي طائفي داخلي بين أبناء الوطن الواحد، يهدم بنيان هذا الوطن وهذا الكيان ويكون سبباً لضعفه، يخرب ويدمر مسيرة تحقيق وحفظ مصالحه، الماثلة في مصلحة جميع أبنائه وجميع مكوناته. وهنا فلا شك أن ذلك التحريف للواقع وللصراع مع الخارج عن طبيعته بغرض طائفي أو غيره من قبل البعض، هو واقعاً ضرب حقيقي لهذا الوطن في الخاصرة وفي الظهر، من أيٍ كان ذلك وتحت أي مبررٍ وأي عنوان، وسواءً تم ذلك بقصدٍ، أو من دون قصد.
وقد جاءت تغريدات المدعو «طلال المطيري» الطائفية - في القضية المنظورة حالياً -، لتصب في صالح كل من يريد السوء بهذا الوطن وأهله، ومن المؤسف حقاً أن يصدر ذلك السوء والنتن من شريك من شركاء الوطن الذين يجب أن ينشدوا حفظ أمن الوطن وسلامة ومتانة لحمة أبنائه خصوصاً في أجواء التوترات والحرب الحالية الحساسة، لكن من الطبيعي أيضاً أن يكون في مثل هذه الأجواء المشحونة، من أبناء الوطن من يخطئون فهم رسائل المملكة في أجواء الحرب، فالناس متنوعون في وعيهم وفهمهم وانفعالاتهم وصلاح أنفسهم وسرائرهم، كما يمكن أن يكون هناك أيضاً من يتربص السوء بهذا الوطن، وستجد في المقابل بالطبع ودون تزكية لطرفٍ، مجانين يتلقون هذه الصفعة من أحد المواطنين - إن صحت ملابسات الحادثة - في طرف، فيردونها في نحر الوطن والمواطنين، بمزيد من صب النتن الطائفي والحماقات على المواطنين والوطن فوق أرض تناقضاتهم الساذجة والغبية والخاطئة والآثمة.
إن هذا الإحتراب والصراع المجنون بين الجهلة داخل الوطن، يجب في النهاية أن يوقف، كما يجب أن لا يخفي حقيقة مشرقة أكيدة، هي حقيقة وجود شرائح أخرى مختلفة، في نسيج كل فئات الوطن قبائله ومذاهبه، تحكمها العقلانية والإتزان، وهي مطالبة بالطبع بالظهور للعلن، وأن تكون حاضرةً هنا، بمواقفها وأقوالها، لإصلاح ما يفسده الجاهلون، ولترميم ما يدمرون، ولبناء ما يهدمون، ولحفظ سياج الوطن من تلك الجهالات والحماقات التي يرتكبها المخطئون، خدمة للإنسان والقيم الإنسانية، الداعية للحب والتعايش والسلام.
وهنا على رأس قائمة الإصلاح، جاءت مواقف مشرفة ومسؤولة لرجالات الوطن، كان على رأسها موقفي وزير الدفاع ووزير التعليم، التي تم تدوالها بشكل واسع مؤخراً، فكانت حجراً في فم الفتنة الطائفية الداخلية، التي يريد لها البعض أن تندلع وتتقد وتنتشر. فأرسلت هنا تلك المواقف الحازمة والصريحة من الفتنة الطائفية الداخلية، رسائل لمختلف الأطراف، مفادها ضرورة توقف الهراء الطائفي، المخل بأمننا الوطني، وأكدت لجميع الأطراف الوطنية، أن صراعات المملكة الحالية مع أطراف في الخارج، التي يريد البعض أو يتمنى إلباسها صبغة طائفية، تناسب مصالحه أو ميوله الطائفية، إنما هي صراعات سياسية، تحكمها تناقضات دوائر مصالح، يمكن بل يجب نقاشها ودراستها وفهمها، بعيداً عن نتن كل طائفية وفهمٍ مغلوط.
وفي كل الظروف، فهم من فهم، وجهل من جهل، فستستمر المملكة بإذن الله في حفظ جهودها لحفظ أمنها الداخلي وحفظ لحمة أبناء هذا الوطن، رعايةً للمصالح الإنسانية العامة، والمصالح الوطنية الخاصة، وحفظاً لقيم العدل والإنسانية والعقلانية... ولن تخلوا الحياة البشرية بالطبع من زلات بشرية وفتن سنبقى أمامها دائماً بحاجة ماسة لرجال ومواقف وحاجة ملحة لشكر أصحاب تلك المواقف الصالحة والمسؤولة... فشكراً وزير الدفاع وشكراً وزير التعليم... والشكر موصولٌ لكل العقلاء والشرفاء والعاملين ضد الكراهيات والإحتراب أينما كانت وأينما كانوا.