مراكزنا القرآنية... إلى أين؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين:
يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: « وتعاونوا على البر والتقوى »
منذ نشأة المجلس القرآني المشترك بالقطيف والذي يحوي أكثر من 15 لجنة قرآنية وهو يحمل على عاتقه نشر كتاب الله تعالى في أوساط المجتمع وخلق بيئة قرآنية بعد انشغال الكثير عن القرآن الكريم وإحياء الأمة وإيقاظها من سباتها العميق، ولا زالت تعاني الكثير وتتحمل الصعوبات لأجل تحقيق هذا الهدف السامي ومن تلك الصعوبات التي تعيق هذا الركب القرآني العظيم ما يلي:
1 - عدم التعاون بين بعض اللجان القرآنية.
كل لجنة قرآنية تحمل هدفا ورؤية خاصة بها دون غيرها من بقية اللجان مع اشتراكها في هدف واحد وهو خدمة كتاب الله العظيم ونشره في أوساط المجتمع، إلا أن بعض هذه اللجان يظهر فيها التمركز حول ذواتها بشكل كبير بحيث لا تكاد تفكر في غيرها من اللجان وتهتم بنجاحها فقط ولا تدير بالا لو نجحت لجنة أخرى أو فشلت، ولكيلا يكون كلامي فارغا من الأدلة، جربوا أن تنظروا في صفحات اللجان القرآنية سواء في اليوتيوب أو الفيس بوك أو الانستقرام أو ما شابه ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي هل تجدون أن أحدا منهم قد ذكر لجنة أخرى غير لجنته بشيء ولو يسيرا كأن يقول: حقق فلان بن فلان من اللجنة الكذائية المركز الكذائي في مسابقة التلاوة أو الحفظ أم أنه يتمركز فقط وفقط على لجنته وعلى ذاته ويسعى بأن يكون دائما هو أفضلهم، ولا أقول لا ينبغي التنافس الشريف بين اللجان، كلا، فالله سبحانه يأمرنا بذلك حيث يقول: « وفي ذلك فليتنافس المتنافسون » فالتنافس مطلوب بين اللجان القرآنية ولكن فليكن هنالك شيء من التعاون بين بعض اللجان مع أخواتها حتى يشكلون قوة واحدة فاليد الواحدة لا تصفق كما تعلمون.
2 - عدم وجود كفاءات كثيرة في المراكز القرآنية.
تفتح دورة صيفية وأخرى شتوية وما بينهما ربيعية وترى الإقبال الكثير من الطلبة في التسجيل في تلك البرامج القرآنية فيضطر المركز القرآني إلى إيجاد أشخاص ولو كانوا غير متقنين حتى يغطوا النقص في الكوادر ويكتفون بإعطاء تلك الكوادر دورة مكثفة في التجويد وطرق التدريس في شهر أو أقل حتى يتخرج المعلم من الدورة المكثفة ويغطي ذلك النقص، والضحية على من تكون؟!
إنه ذلك الطالب المسكين الذي دفع من ماله أو من مال أبويه ليدخلاه في تلك الدورة القرآنية ليتعلم التجويد والثقافة وإذا به يصادف معلما لم يمتهن التدريس من قبل وصار يُعمل تجاربه على الطلبة والنتيجة: الطالب يتخرج من الدورة القرآنية وهو لا يعرف قراءة الحمد والإخلاص بصورة جيدة!!
3 - التعمق في المادة.
يظن الكثير من اللجان أن المعلم بإمكانه ممارسة مهنة التعليم إذا كان يحفظ ذلك المنهج الذي أعطي له «كتاب المعلم» وهذا برأيي ليس بصحيح، فالعلوم على قسمين:
1 - محدود: كالتجويد. 2 - غير محدود: كعلم التفسير.
فأما غير المحدود فبإمكان تلك اللجنة إعطاء المعلم منهجا خاصا كأن يعملوا دورة مكثفة في آراء وأطروحات سماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دام ظله في السور القصار من خلاله تفسيره الأمثل.
أما العلم المحدود كعلم التجويد فلا يكتفى أن يعطى المعلم - الذي لم يدرس المخارج والصفات بعد - منهجا خاصا في أحكام التجويد أن يدرسّها فلو سأله طالب: لم انحصرت حروف الإظهار الحلقي في: أ هـ ع غ ح خ دون غيرها من الحروف لأصبح مضطرا أن يراجع المخارج ولو سأله شخص: ما معنى الروم والإشمام والإبدال والحذف فماذا سيجيبه وهو لم يدرس إلا أحكام التجويد فقط؟!!
فإذن سيكون المعلم مضطرا إلى تعلم المخارج والصفات والوقف والابتداء وغير ذلك وإتقان التلاوة جيدا حتى يهضم المادة بأكملها وتصبح كالعجينة في يده.
3 - عدم وجود رؤية واضحة عند بعض اللجان.
ترى مركزا شامخا يستقطب المئات من طلبة القرآن الكريم وحينما تسألهم ما هي أهدافكم وراء إنشاء هذا المركز فسترى كل إداري فيه يقول بجواب مختلف عن الآخر، فلا يعلمون هل هم يريدون تخريج حفظة لكامل القرآن الكريم أم لنصفه أم لربعه أم لإيجاد طلاب متقنين في التلاوة أم لإيجاد أشخاص مثقفون قرآنيا أم وأم.....، وبالتالي ترى التخبط في المستوى التعليمي ولا نرى أي نتيجة قوية من إدخال هؤلاء الطلبة إلى هذه الدور القرآنية إلا قليلا جدا، أما إذا كان هدفهم واضحا فمن الطبيعي أنهم سينتجون ثمارا طيبة تفتخر بها بلدتهم بإذن الله تعالى.
4 - التنوع في أساليب الشرح.
يدخل الطالب الفصل ولا يزال يرى ذلك المعلم وقلمه على يده اليمنى وهو يكتب في السبورة ويملؤها كاملة حتى لا يمكنك أن تجد فراغا فيها أو يرى المعلم يلقي على الطلبة الأشبال درسا تجويديا وكأنه يلقي دروس البحث الخارج أو يرى المعلم جالس على الكرسي وهو يأمر الطلبة في حصة الحفظ أن يسمّع كل واحد منهم الآخر وهو يتحدث مع أصدقائه بالوات ساب ويتعود هذا الطالب على هذا الأسلوب الذي قد لا يعجبه فيمل من تلك الحصة أو يعبث بجواله أو قد يخرج من هذه الدورة لما لا يرى منها من أي فائدة ترجى، فمن الطبيعي أن الأسلوب الجيد في الشرح قد يحبب الطالب إلى المادة ويذوب فيها ذوبان السكر في الماء.
5 - الوقت لا يكفي الحاجة.
لكل لجنة قرآنية نظامها الخاص بها فالبعض يجعل الدورة القرآنية في شهرين والآخر في أربع أشهر وبعض في سنتين وغير ذلك، وبعض هذه اللجان عندها خطة دراسية معينة «syllabus» تمشي من خلالها وهذا بلا إشكال شيء رائع ويدل على التنظيم الجيد لتلك اللجنة، إلا أن هذه الخطة الدراسية قد تعطي بعض المواد أكبر من حجمها والبعض الآخر تبخسه في حقه، فمثلا يجعلون دراسة الطالب لأحكام التجويد في أربعة أيام فقط واليوم الخامس يكون اختبارا نهائيا لهم، وبعد ذلك - بشكل طبيعي - يرون تدني مستوى الطلبة في أحكام التجويد لأنهم لم يستوعبوه بعد فليس كل الطلبة يفهمون المطالب مثل معلمهم الحاذق!!
و كذلك قد يعطون وقتا زائدا في بعض المواد مثل حفظ جزء عم في سنة كاملة!!
فنحن مع قاعدة: «لا إفراط ولا تفريط».
6 - التواصل مع الطالب المتخرج.
بانتهاء الدورة القرآنية يتخرج الطالب المتميز في حفظ ربع القرآن مثلا بنسبة عالية ويكرّم أمام والده وجمهور كثير، وبعد ذلك تنقطع العلاقة بين الطالب والمركز القرآني، بين الطالب والمعلم، كأنه عصفور ربته أمه وغذته ثم لما كبر واعتمد على نفسه تركته وشأنه يفعل ما يريد في أرض الله الواسعة.
لم لا يجعلون له دورات مكثفة له في تطوير ذاته ويقتصر على حفظ ربع القرآن ولا يحفظ نصفه أو كله، لم لا تكون هنالك زيارات ودية تخلق جسرا ضخما من المحبة والوئام بين الطالب والمركز القرآني الذي تخرج منه؟!
7 - الإعلام وما أدراك ما الإعلام!
عقود وعقود من الزمن تمر على إنشاء المركز القرآني وحينما تسأل شخصا في تلك المنطقة أين يقع المركز القرآني الذي عندكم أو ما هي برامجه؟!، فيجيبك بكل استغراب: لا أعلم بوجود مركز قرآني في منطقتنا، أو يقول أحدهم لآخر: ماذا استفدنا من تلك اللجنة القرآنية أو ماذا قدمت للمجتمع؟
والسبب يعود جلّه على الإعلام في ذلك المركز القرآني الذي لم يعرّف منطقته - على أقل تقدير - ببرامج لجنته الموقرة، والذي يضيق الصدر أن يكون هذا المركز متألقا ويقدّم دروسا متقدمة جدا في التفسير واللغة العربية والبلاغة، والناس تعتقد أن هذا المركز لا زال يكتفي بتعليم التجويد والحفظ!!
باختصار: كلما كان إعلامك قويّا استفاد مجتمعك من نشاطاتك وبرامجك بشكل أكبر.
8 - الانتقادات السلبية.
الإداريون: عيون حمراء وألسن غليظة تراها في بعض إداريي هذه اللجان، كل خطأ صغير وكبير يصدر من أحد أعضاء لجنته، يجعل الدنيا تقوم ولا تقعد وكأنه قد عمل معصية لا تغتفر.
الأعضاء: سكوت مطبق، قلب يحترق، زفير وشهيق متواصل، دقات قلب تنبض بسرعة.
النتيجة / تسرب الأعضاء شيئا فشيئا وبالتالي نقص الكوادر التعليمية وعندئذ لا توجد أية دورة لاحقة ويغلق المركز التسجيل للطلاب المنتظرين من شهور عديدة، والسبب: تصرف خاطئ بقصد أو من دون قصد من عضو من أعضاء هذا المركز، أترى يستحق أن يهدم كل ذلك التعب في ساعة واحدة ولحظة غضب واحدة، كم من النتائج الجيدة لو كظم الإداريي غيظه وحاول نصحه وتنبيهه بألفاظ جميلة تطمئن لها الفؤاد وتهوي إليه من كل فج عميق...
لا أقول اترك المحاسبة في كل صغيرة وكبيرة بل إني أطلب منك أن تحاسب وتدقق على كل شيء لأن الشيء الصغير قد ينمو ويكبر مع ممر الأيام ولكن فليكن أسلوبك لطيفا مع أعضائك وتخير من الحروف الهجائية ما يلائم ويدخل القلب بسهولة كي تنجح إدارتك وبالتالي ينجح المركز الذي أنشأته وتحقق أهدافك المرجوة.
وختاما: أعتذر من الجميع على الإطالة ولا أريد بهذه الكلمات القلائل أن أدخل الحزن على أي أحد وعلى أي لجنة قرآنية، لكنها من باب: « وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر »، وأرجو من جميع اللجان القرآنية - ولا أخص بالذكر أحدا بعينه - أن يضعوا نصائح أخيهم الأصغر والمقصر في حقهم بعين الاعتبار وتطبيق ما ينبغي تطبيقه، والدال على الخير كفاعله، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل به وأن يجعلنا من أهل القرآن وخاصته الذي يفيض الله عليهم بركاته وإحسانه، كما أسألكم أحبتي ألا تنسوني ووالديّ من الدعاء بظهر الغيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.